روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

41 - موعظة حول الدنيا وكيف نستغلها؟

صفحة 335 - الجزء 2

  فَرِيسَتُهُ، اضْرِبْ بِطَرْفِكَ حَيْثُ شِئْتَ مِنَ النَّاسِ فَهَلْ تُبْصِرُ إِلَّا فَقِيراً يُكَابِدُ فَقْراً، أَوْ غَنِيّاً بَدَّلَ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْراً، أَوْ بَخِيلًا اتَّخَذَ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ وَفْراً، أَوْ مُتَمَرِّداً كَأَنَّ بِأُذُنِهِ عَنْ سَمْعِ الْمَوَاعِظِ وَقْراً، أَيْنَ أَخْيَارُكُمْ وَصُلَحَاؤُكُمْ؟ وَأَيْنَ أَحْرَارُكُمْ وَسُمَحَاؤُكُمْ؟ وَأَيْنَ الْمُتَوَرِّعُونَ فِي مَكَاسِبِهِمْ؟ وَالْمُتَنَزِّهُونَ فِي مَذَاهِبِهِمْ؟ أَلَيْسَ قَدْ ظَعَنُوا جَمِيعاً عَنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ، وَالْعَاجِلَةِ الْمُنَغِّصَةِ، وَهَلْ خُلِقْتُمْ إِلَّا فِي حُثَالَةٍ لَا تَلْتَقِي إِلَّا بِذَمِّهِمُ الشَّفَتَانِ، اسْتِصْغَاراً لِقَدْرِهِمْ، وَذَهَاباً عَنْ ذِكْرِهِمْ فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ، ظَهَرَ الْفَسَادُ فَلَا مُنْكِرٌ مُغَيِّرٌ، وَلَا زَاجِرٌ مُزْدَجِرٌ، أَفَبِهَذَا تُرِيدُونَ أَنْ تُجَاوِرُوا اللَّهَ فِي دَارِ قُدْسِهِ، وَتَكُونُوا أَعَزَّ أَوْلِيَائِهِ عِنْدَهُ، هَيْهَاتَ لَا يُخْدَعُ اللَّهُ عَن جَنَّتِهِ، وَلَا تُنَالُ مَرْضَاتُهُ إِلَّا بِطَاعَتِهِ، لَعَنَ اللَّهُ الْآمِرِينَ بِالْمَعْرُوفِ التَّارِكِينَ لَهُ، وَالنَّاهِينَ عَنِ الْمُنْكَرِ الْعَامِلِينَ بِهِ.

  وقال ~: يحذر من الدنيا، وكيف نسلم منها:

  فإِنَّ الدُّنْيَا دَارٌ لَا يُسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا فِيهَا، وَلَا يُنْجَى بِشَيْ ءٍ كَانَ لَهَا، ابْتُلِيَ النَّاسُ بِهَا فِتْنَةً، فَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لَهَا أُخْرِجُوا مِنْهُ، وَحُوسِبُوا عَلَيْهِ، وَمَا أَخَذُوهُ مِنْهَا لِغَيْرِهَا قَدِمُوا عَلَيْهِ وَأَقَامُوا فِيهِ، فَإِنَّهَا عِنْدَ ذَوِي الْعُقُولِ كَفَيْ ءِ الظِّلِّ، بَيْنَا تَرَاهُ سَابِغاً حَتَّى قَلَصَ، وَزَائِداً حَتَّى نَقَصَ.

  ثم شرح # حال أولياء الله مع الدنيا، وكيف يتعاملون فيها، وكيف تكون الدنيا بالنسبة إليهم:

  (ألا إِنَّ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا تَبْكِي قُلُوبُهُمْ وَإِنْ ضَحِكُوا، وَيَشْتَدُّ حُزْنُهُمْ وَإِنْ فَرِحُوا، وَيَكْثُرُ مَقْتُهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَإِنِ اغْتَبَطُوا بِمَا رُزِقُوا، قَدْ غَابَ عَنْ قُلُوبِكُمْ ذِكْرُ الْآجَالِ، وَحَضَرَتْكُمْ كَوَاذِبُ الْآمَالِ، فَصَارَتِ الدُّنْيَا أَمْلَكَ بِكُمْ مِنَ الْآخِرَةِ، وَالْعَاجِلَةُ أَذْهَبَ بِكُمْ مِنَ الْآجِلَةِ، وَإِنَّمَا أَنْتُمْ إِخْوَانٌ عَلَى دِينِ اللَّهِ مَا فَرَّقَ بَيْنَكُمْ إِلَّا خُبْثُ السَّرَائِرِ، وَسُوءُ الضَّمَائِرِ، فَلَا تَوَازَرُونَ، وَلَا تَنَاصَحُونَ، وَلَا تَبَاذَلُونَ، وَلَا تَوَادُّونَ، مَا بَالُكُمْ تَفْرَحُونَ بِالْيَسِيرِ مِنَ الدُّنْيَا تُدْرِكُونَهُ، وَلَا يَحْزُنُكُمُ الْكَثِيرُ مِنَ الْآخِرَةِ تُحْرَمُونَهُ، وَيُقْلِقُكُمُ الْيَسِيرُ مِنَ الدُّنْيَا يَفُوتُكُمْ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِكُمْ، وَقِلَّةِ صَبْرِكُمْ عَمَّا زُوِيَ مِنْهَا عَنْكُمْ، كَأَنَّهَا دَارُ مُقَامِكُمْ، وَكَأَنَّ