روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)

صفحة 336 - الجزء 2

  مَتَاعَهَا بَاقٍ عَلَيْكُمْ، وَمَا يَمْنَعُ أَحَدَكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَ أَخَاهُ بِمَا يَخَافُ مِنْ عَيْبِهِ إِلَّا مَخَافَةُ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ بِمِثْلِهِ، قَدْ تَصَافَيْتُمْ عَلَى رَفْضِ الْآجِلِ، وَحُبّ الْعَاجِلِ، وَصَارَ دِينُ أَحَدِكُمْ لُعْقَةً عَلَى لِسَانِهِ، صَنِيعَ مَنْ قَدْ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ، وَأَحْرَزَ رِضَى سَيِّدِهِ).

  وقد كان لأئمة أهل البيت $ النصائح الهامة، والمواعظ الكافية، عن الدنيا لما عرفوا حقيقتها، فحذروا المؤمنين منها، قال الإمام زين العابدين علي بن الحسين #:

  وحتى متى أصف محن الدنيا، ومقام الصديقين، وأنتحل عزماً من إرادة وأنا مقيم بمدرجة الخطايا؟! أشتكي ذل ملكة الدنيا وسوء أحكامها عليّ، فقد رأيت وسمعت لو كنت أسمع في أداة فهم أو أنظر بنور يقظة.

  كُلاً ألاقي نكبةً وفجيعةً ... وكأسَ مراراتٍ ذعافاً أذوقُها

  وهنَّ المنايا أيَّ وادٍ سلكتَه ... عليها طريقي أو عليَّ طريقُها

  وحتى متى تعدني الدنيا فتُخلِفُ، وأئتمنُها فتخونُ؟! لا تُحدثُ جِدَةً إلا بخلوق جِدَةٍ، ولا تَجمعُ شملاً إلا بتفريق شمل، حتى كأنها غَيْرَى مُحَجَّبَةٍ ضِنَّاً تغار علي الألفة، وتحسد أهل النعم.

  فقد آذنتني بانقطاعٍ وفرقةٍ ... وأَوْمَضَ لي من كلِّ أُفقٍ بروقُها

  فما عيشةٌ إلا تزيدُ مرارةً ... ولا ضيقةٌ إلا ويزدادُ ضيقُها

  فكيف يرقأ دمع لبيب، أو يهدأ طَرْفُ مُتَوَسِّمٍ على سوء أحكام الدنيا، وما تفجعُ به أهلَها من تصرف الحالات، وسكون الحركات؟! وكيف يسكن إليها من يعرفها، وهي تفجعُ الآباءَ بالأبناءِ، وتلهي الأبناءَ عن الآباء؟! تُعدِمُهم أشجانَ قلوبهم، وتسلُبُهم قرة عيونهم.

  وترمي قساوات القلوب بأسهم ... وجمرِ فِراقٍ ليسَ يَخْبُو حريقُها

  وما عسيتُ أن أصفَ من محن الدنيا، وأبلغَ من كشف الغطاء عما وكل به دور الفلك من علوم الغيوب، ولست أذكر منها إلا قتيلاً أفنته، أو مُغَيَّبِ ضريحٍ تجافت