41 - موعظة حول الدنيا وكيف نستغلها؟
  وخدعها، وتصير هي خادمةً له، ومذعنة في أمره، كما في الحديث القدسي عن الله ø «يا دنيا من خَدَمني فاخدِميه، ومَن خدمك فاستخدميه». وقد انتحلت طوائف من هذه الأمة بعد مفارقتها أئمة الدين، والشجرة النبوية إخلاص الديانة، وأخذوا أنفسهم في مخائل الرهبانية، وتغالوا في العلوم، ووصفوا الإسلام بأحسن صفاتهم، وتحلوا بأحسن السنة، حتى إذا طال عليهم الأمد، وبعدت عليهم الشقة، وامتحنوا بمحن الصادقين، رجعوا على أعقابهم ناكصين عن سبيل الهدى، وعلم النجاة، يتفسحون تحت أعباء الديانة تفسح حاشية الإبل تحت أوراق البُزل.
  أيها المؤمنون: إن الدنيا وإن كانت ذميمة، لكنها أمر لا بد لنا منه، ومن عبوره والمرور فيه، فليس ذمُّها بدون عمل، بأولى من استغلالها في صالح العمل، كما روي عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر بن عبد الله، قال: بينما أميرُ المؤمنين عليٌّ # في جماعة من أصحابه أنا فيهم إذ ذكروا الدنيا وتصرمها بأهلها، فذمها رجل فذهب في ذمها كل مذهب، فقال له أمير المؤمنين #: أيها الذامُّ للدنيا، أنت المجترمُ عليها أم هي المجترمةُ عليك؟ فقال: بل أنا المجترم عليها يا أمير المؤمنين، قال:
  فيم تذمها، أليست منزلِ صدقِ لمن صدقها، ودارَ غنى لمن تزوَّد منها، ودارَ عاقبة لمن فهم عنها؟ مساجدَ أنبياء الله، ومهبطَ وحيه، ومصلى ملائكته، ومتجرَ أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة، وربحوا فيها الجنة، فمن ذا يذمها وقد آذنت بِبَيْنِها، ونادت بانقطاعها، نعتت نفسها وأهلها، فمثَّلت ببلائها البلى، وشوقت بسرورها إلى السرور، تخويفاً وترغيباً، وابتكرت بعافية، وراحت بفجيعة، فذَمَّهَا رجالٌ فرَّطوا غداةَ الندامة، وحمدها آخرون اكتسبوا فيها الخير الكثير، فيا أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استَذَمَّت إليك؟ أم متى غَرَّتكَ؟ أبمضاجع آبائك من البِلى؟ أم بمصارع أمهاتك تحت الثرى؟ كم مرضتَ بيديك؟ وعالجت بكفيك؟ تلتمس لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم