روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالمواعظ البليغة (حول الدنيا والموت والقيامة والجنة والنار)

صفحة 344 - الجزء 2

  صارت في أعناقهم، ولو رأيتهم في نَهَارِهم إذاً لرأيت قوماً يمشون على الأرض هوناً، ويقولون للناس حسناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، وإذا مروا باللغو مروا كراماً.

  أولئك يا أحنفُ انتَجَعُوا دارَ السلام التي من دخلها كان آمنًا، فلعلَّك شغلَك - يا أحنفُ - نظرُك إلى وجهٍ واحدةٍ تُبِيدُ الأسقامُ غضارةَ وجهِهَا، وذاتِ دارٍ قد اشتَغَلْتَ بتقرِيبِ فِرَاقِهَا، وسُتُورٍ عَلَّقْتَهَا، والرياحُ والأيامُ مُوَكَّلَةٌ بتمزِيقِهَا، وبِئْسَتْ لك داراً مِن دارِ البقاء.

  فاحْتَلْ للدار التي خلقها الله ø من لؤلؤةٍ بيضاءَ، فَشَقَّ فيها أنهارَها، وغَرَسَ فيها أشجارَها، وأَطَلَّ عليها بالنُّضْجِ من ثمارِها، وكَنَسَها بالعواتق من حورِها، ثم أسكنها أولياءه وأهل طاعته.

  فإن فاتك يا أحنفُ ما ذكرتُ لك فَلَتَرْفُلَنَّ في سرابيلِ القَطِرَان، وَلَتَطُوفَنَّ بينها وبين حميمٍ آنٍ، فكم يومئذٍ في النار من صُلبٍ محطومٍ، ووجهٍ مشؤومٍ، ولو رأيتَ وقد قام منادٍ ينادي: يا أهل الجنة ونعيمِها وحُلِيِّها وحُلَلَها خلوداً لا موتَ فيها، ثم يلتفتُ إلى أهل النار فيقول: يا أهلَ النارِ، يا أهلَ النارِ، يا أهلَ السلاسلِ والأغلالِ، خلوداً لا موت، فعندها انقطع رجاؤهم، وتقطعت بهم الأسباب، فهذا ما أعدَّ الله للمجرمين، وذلك ما أعدَّ الله ø للمتقين.

  أيها المؤمنون: نحن بحاجة ماسة إلى أن نزيل عن قلوبنا صدأ المعاصي، ورين الذنوب، بأن ندفع بأنفسنا إلى الرغبة فيما رغبنا الله تعالى فيه من ثوابه، وأن نحرص على أن ننال أعلى الدرجات من رضوانه، فلا نعيمَ أعظمَ من الجنة، ولا عذابَ أعظمَ من النار، فاختر لنفسك ما تحب من النعيم أو الشقاوة.

  كأننا لم نسمع ولم نقرأ في كتاب الله تعالى ما يدعونا إلى الجنة ونعيمها، بل القرآن مملؤٌ بذكر الجنة وما فيها من النعيم الدائم، كقوله ø: {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ٤٣ عَلَى