روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم

صفحة 86 - الجزء 1

  عليهم، بأنهم كانوا يشاهدون الظَّلمة الذين كانوا بين ظهرانيهم يأمرون بالمنكر، ويعملون الفساد، فلا ينهونهم عن ذلك، ويرون حق الله مضيعاً، ومال الله دولة يؤكل بينهم ظلماً، ودولة بين الأغنياء، فلا يمنعون من ذلك رغبة [أي زهداً] في ما عند الله، ورغبة [أي طلباً] فيما عندهم من العرض الآفل، والمنزل الزايل، ومداهنة منهم على أنفسهم، وقد قال ø لكم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ٣٤}⁣[التوبة]، كيما تحذروا، وإذا رأيتم العَالِم بهذه الحالة والمنزلة، منزلة من عاث في أموال الناس بالمصانعة والمداهنة، والمضارعة لظلمة أهل زمانهم، وأكابر قومهم، فلم ينهوهم عن منكر فعلوه؛ رغبة فيما كانوا ينالون من السحت بالسكوت عنهم، وكان صدودهم عن سبيل الله رغبة في الإتباع لهم، والاغترار بإدهانهم، ومعاونتهم الجائرين الظالمين المفسدين في البلاد؛ وذلك بأن أتباع العلماء يختارون لأنفسهم ما اختار علمائهم.

  إلى قوله #: (فإنما تصلح الأمور على أيدي العلماء وتفسد بهم إذا باعوا أمر الله ونهيه بمعاونة الظالمين الجائرين، فكذلك الجهال والسفهاء إذا كانت الأمور بأيديهم لم يستطيعوا إلا بالجهل والسفه إقامتها، فحينئذ تصرخ المواريث، وتضج الأحكام، ويفتضح المسلمون، وأنتم أيها العلماء عصابة مشهورة، وبالورع مذكورة، وإلى عبادة الله منسوبة، وبدراسة القرآن معروفة، ولكم في أعين الناس مهابة، وفي المدائن والأسواق مكرمة، يهابكم الشريف، ويكرمكم الضعيف، ويرهبكم من لا فضل لكم عليه، يُبدأ بكم عند الدعوة والتحفة، ويشار إليكم في المجالس، وتشفعون في الحاجات إذا امتنعت على الطالبين، وآثاركم مُتَّبَعة، وطرقكم تُسْلك، كل ذلك لما يرجوه عندكم من هو دونكم من النجاة في عرفان حق الله تعالى، فلا تكونوا عند إيثار حق الله تعالى غافلين، ولأمره مضيعين، فتكونوا كالأطباء الذين