روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول

صفحة 135 - الجزء 1

  فقال له عمه أبوطالب مقالته المشهورة: اصدع بأمرك فلن أسلمك لهم أبداً.

  ثم إن المشركين صبوا جام غضبهم وحنقهم على رسول الله ÷، ولكن لمكانة رسول الله الإجتماعية بين أهله وعشيرته فقد تولى إيذائه والإعتداء عليه كبراء قريش وأئمة الكفر من المشركين ولم يجترئ عليه السفهاء والعامة.

  فلما رأى المشركون إصرار رسول الله على الإستمرار والمضي في دعوته، مالوا إلى جانب آخر من محاولة صرفه عن دعوته فحاولوا مساومته بأن عرضوا له المال والجاه والملك وكل ما أراد فكانت محاولاتهم فاشلة، فلما رأى المشركون أنهم قد اتخذوا وسلكوا كل الطرق، ومارسوا أنواع الحيل من شدة إلى لين، ومن لين إلى شدة، ومن جدل إلى مساومة، ومن ترغيب إلى ترهيب، ورأوا أنها كلها ما زادت محمداً ÷ إلا قوة وصلابة، ودينه إلا انتشاراً، ودينهم إلا ضعفاً وهواناً وانكساراً، اجتمع رأيهم على أسوء خطة وألأم مشورة وأقبح مؤامرة وهي محاولة قتل النبي ÷، فلما رأى أبو طالب عزمهم على ذلك دعا بني هاشم وبني المطلب مسلمهم وكافرهم إلى حفظ النبي وحياطته من قريش، فأجابوه إلى ذلك وتعاهدوا وتعاقدوا عليه عند الكعبة، إلا أبا لهب فإنه فارقهم.

  فعند ذلك اجتمعت قريش واشتوروا على أن يقاطعوا بني هاشم مقاطعة كلية تشمل الكلام والمؤاكلة والمشاربة والمناكحة، والمجالسة والمخالطة وأن لا يدخلوا بيوتهم ولا يقبلون منهم صلحاً حتى يسلموا رسول الله ÷ لقريش لتقتله، وكتبوا لهم بذلك صحيفة ومعاهدة علقوها في جوف الكعبة، فانحاز بنو هاشم وبنو المطلب إلى الشعب وحوصروا فيه، ومنعت عنهم الميرة، ومنع التجار من مبايعتهم، حتى وصل بهم الجهد إلى أن أكلوا أوراق الشجر والجلود، وكان النساء والصبيان يتضورون من شدة الجوع، فكان لا يصلهم شيء إلا سراً، وكانوا لا يخرجون إلا في الأشهر الحرم، واستمروا على ذلك ثلاث سنين إلى أن هيئ الله تعالى نقض