الثالث: الخطب المتعلقة بشهر ربيع الأول
  الصحيفة، وأرسل الآكلة فأكلتها إلا باسمك اللهم، وأخبرهم رسول الله بذلك، فانتهى الحصار وخرج بنو هاشم وبنو المطلب من الحصار، ولكنهم لم يخرجوا من الأذى فما هو إلا أن خرجوا حتى عادت قريش فيما كانت عليه من المعاداة والأذى.
  أما رسول الله ÷ فهو الجبل الذي لا يضره رميهم، والبحر الذي لا تكدره دلاؤهم، فما هي إلا أشهر معدودة حتى مرض أبو طالب مرضه الذي مات منه والتحق بالرفيق الأعلى مؤمناً مصدقاً بالله ورسوله، فاشتد الأمر برسول الله وتفاقم عليه الخطب، وقويت عليه قريش، واستهانوا به، ولم يلبث إلا قرابة شهرين حتى ودع رفيقة دربه، وشريكة حياته، وأنسه في أتراحه وأحزانه، خديجة الكبرى بنت خويلد، فازداد الأمر شدة، والبلاء حدة، والواقع مرارة، والوضع خطورة، فلم يعد لرسول الله من البشر ناصر، غير أولئك النفر المستضعفين الذين قد آمنوا به على خوف من قومهم، فاضطر النبي ÷ على الخروج إلى الطائف يطلب النصرة، فقابلوه بالطرد والشتم والرمي بالحجارة، ثم رجع متخفياً إلى مكة، وكان يعرض نفسه على القبائل في مواسم الحج، وفي أسواقهم التي تجمعهم، يدعوهم إلى الإسلام، ورجاء أن يجد عند قبيلة من قبائل العرب الكفاءة والمقدرة في إجابة دعوته ونصرته، فكانوا يردونه، ولا يجيبونه، فمنهم من يرده رداً جميلاً ومنهم من يرده رداً قبيحاً غليظاً.
  ولكن مع رد القبائل له فقد أجابه بعض الأفراد من القبائل خارج مكة، منهم ستة من أهل المدينة من الخزرج قدموا حجاجاً عام ١١ من البعثة وكان أهل المدينة يسمعون من اليهود الذين عندهم أن ذلك الزمان يظهر فيه نبي آخر الزمان، وأنه قد آن وقت خروجه، فلما كلمهم النبي بأمره وشرح لهم حقيقة الإسلام، أيقنوا أنه النبي الموعود به، فوعدوه النصرة والدعوة والقيام بدينه والمقابلة في العام القابل حتى يعودوا إلى قبائلهم وعشائرهم. فلما كان في العام المقبل سنة ١٢ من البعثة قدم اثنا عشر من المدينة عشرة من الخزرج واثنان من الأوس، فبايعوا رسول الله بيعة العقبة