الرابع: الخطب المتعلقة بشهر جماد الآخرة
  لا يريد أن يفارق الدنيا وحبيبته وأغلى الناس عنده تتوجع، وتعتصر ألماً وحزناً لفراقه، فيهون عليها قائلاً: ألا يرضيك يا بنية أنك سيدة نساء العالمين، وأنك أول أهل بيتي لحاقاً بي، عند ذلك تبسمت الزهراء، لأن أباها أخبرها بسرعة التقائهما، وأنها أول أهله لحوقاً به.
  ولما فارق رسول الله ÷ الحياة، والتحق بالرفيق الأعلى، حزنت حزناً لا مزيد عليه، وأخذت تبكي الليل والنهار، حتى اتخذت لها بيتاً خارج المدينة في البقيع يسمى بيت الأحزان، تبكي فيه على أبيها، الذي كان موته صدمة كبيرة على ابنته خصوصاً وعلى الناس عموماً.
  لم يكن الحزنُ الذي يخيِّمُ في قلب الزهراء & على فراق أبيها مانعاً من الأذى والتعدي والظلم للزهراء &، فقد كانت & المظلومَ الثاني في الإسلام بعد زوجها الوصي #، الذي أُخذ عليه أمرُ الخلافة، ثم أتى دورها في المظلومية، فقد اغتصبوا فدكاً عليها، وكان رسول الله ÷ قد أنحلها وأعطاها لابنته الزهراء، فطالبت بحقها بكل قوة وشجاعة ولكن دون جدوى، فصبرت على الظلم، وتجرعت مرارات الغيظ، وكان صبرُها صبرَ غضبٍ على من غصبها نحلتها وحقها وإرثها من أبيها، ولم يزل ذلك الغضب في نفسها، مع ما قد غامرها من فراق أبيها، وما تراه يعانيه زوجُها من الإضطهاد والإستبداد بما هو أحق به وأولى، ولم تزل أحزانها تتجدد كل وقت ويوم كلما سمعت المؤذن يرفع اسم أبيها: أشهد أنّ محمداً رسول الله، حتى هزل جسمها، ودق عظمها، وخمد صوتها، وبلي حسنها، ولم تستطع أن تتحمل شوق الرحيل إلى أبيها، فلم تطل مدتها بعد أبيها فلم تبق بعد موت أبيها إلا ثلاثة أشهر على الرواية الصحيحة، حتى مرضت مرض الموت، وعلمت أنها ستفارق الحياة، فأخذت تودع أولادها، وتتعاهد صغارها، فودعت ولدها الحسن الذي لم يزل في السابعة من