الثامن: الخطب المتعلقة بشهر شوال
  هي المفتوحة، فحفر الخندق في الجهة الشمالية جهة جبل سلع، والخندق شيء لم تعرفه العرب من قبل، ولا علمته في حروبها.
  وكان الخندق ممتداً من الحرة الشرقية إلى الغربية بطول ثلاثة كيلو متر تقريباً، وكان عرضه من سبعة إلى عشرة أمتار تقريباً، وعمقه من ثلاثة إلى خمسة أمتار، وكان عدد العاملين فيه ألفاً وخمسمائة رجل، وعمل فيه النبي ÷ بيده الطاهرة، واستمرت عملية الحفر ستة أيام، وأخذ المسلمون مواد الحفر من بني قريظة وهم لا زالوا في الصلح.
  فلما أقبلت الأحزاب بقضها وقضيضها، وكفرها وعتوها واستكبارها، فوجئت بأن رأت الخندق، والنبي ÷ قد رتب أصحابه على مجانب الخندق على شكل كتائب، فأطاف الأحزاب بالخندق رجاء أن يروا ممراً يعبروا منه فأحجم فرسانهم وعجزوا عن العبور.
  وفي أثناء ذلك حصل بين المسلمين والمشركين مناوشات خفيفة قتالية أكثرها ليلية، حاول المشركون من خلالها إما عبور الخندق، أو الوصول إلى النبي ÷ من خلال الوقوف أمام خيمته والضرب بالسهام نحوها، ولكن الله تعالى لم يمكنهم من ذلك فكانت كتائب المسلمين لهم بالمرصاد، يعودوا في كل ذلك خائبين.
  فلما طال الحصار وعجز المشركون من العبور حاولوا الإستعانة ببني قريظة ضد النبي ÷، فأرسل الأحزاب حيي بن أخطب اليهودي إليهم، فلم يزل بهم حتى نقضوا ما بينهم وبين النبي ÷ من الصلح والعهد، فلما علم النبي صلى الله عيه وآله وسلم وأصحابه بما صنعت بنو قريظة، اهتموا واغتموا لذلك الأمر، فأصابهم من الأمر ما حكاه الله تعالى بقوله: {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ}[الأحزاب: ١٠] أي الأحزاب المتجمعة لقتالكم {وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ}[الأحزاب: ١٠] وهم بنو قريظة، {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ١٠ هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا ١١}[الأحزاب]، فكان النبي ÷ يجعل حراسة مكونة من ثلاثمائة فارس في