38 - حول فضل الحج وثوابه
  وَاخْتَارَ مِنْ خَلْقِهِ سُمَّاعاً أَجَابُوا إِلَيْهِ دَعْوَتَهُ، وَصَدَّقُوا كَلِمَتَهُ، وَوَقَفُوا مَوَاقِفَ أَنْبِيَائِهِ، وَتَشَبَّهُوا بِمَلَائِكَتِهِ الْمُطِيفِينَ بِعَرْشِهِ، يُحْرِزُونَ الْأَرْبَاحَ فِي مَتْجَرِ عِبَادَتِهِ، وَيَتَبَادَرُونَ عِنْدَهُ مَوْعِدَ مَغْفِرَتِهِ، جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِلْإِسْلَامِ عَلَماً، وَلِلْعَائِذِينَ حَرَماً، فَرَضَ حَقَّهُ، وَأَوْجَبَ حَجَّهُ، وَكَتَبَ عَلَيْكُمْ وِفَادَتَهُ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ٩٧}[آل عمران].
  ولما كانت فريضة الحج يحصل فيها من المشقة والكلفة والعناء والتعب ما لا يحصل في غيرها من الفرائض، وذلك أنه لا بد فيها من مفارقة الأهل والأوطان، وتجشم الخطوب والأسفار، وركوب الأهوال والأخطار، مع ما يحصل فيها من النفقة والأموال، فإن الله تعالى جعل تلك الفريضة من أسهل الفرائض والتشريعات، فلم يكلف عباده بها إلا إذا تمكنوا منها بالإستطاعة في أبدانهم وأموالهم، تخفيفاً من تعالى عى عباده، وتيسيراً منه لطرق الطاعة والعبادة، ولم يكلف الله تعالى بها المستطيع للحج إلا مرة واحدة في العمر.
  أيها المؤمنون: ركنيةُ الحج وفرضيتُه مما لا نحتاج إلى الإستدلال عليها، لأنها من أركان الدين والإسلام المعلومة بالضرورة بين كافة المسلمين، وقد امتلأت السنة النبوية بالأحاديث الصحيحة التي ترغب في الحج، وتبين فضله، وما أعد الله من الأجر والثواب، والتكفير للسيئات والخطايا، لمن خرج إلى بيت الله تعالى حاجاً أو معتمراً:
  فعن علي #، قال: قال رسول اللَّه ÷: «من أراد الدنيا والآخرة فليؤم هذا البيت، فما أتاه عبد يسأل اللَّه دنيا إلا أعطاه اللَّه منها، ولا يسأله آخرة إلا ادخر له منها، ألا أيها الناس عليكم بالحج والعمرة فتابعوا بينهما، فإنهما يغسلان الذنوب كما يغسل الماء الدرن على الثوب، وينفيان الفقر كما تنفي النار خبث الحديد».