روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

التاسع: الخطب المتعلقة بشهر الحجة

صفحة 386 - الجزء 1

  فلما رأى وفد نجران ذلك الوفد، وتلك الوجوه المشرقة، قال كبيرهم وهو أُسْقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني.

  فتسارعوا متسابقين يستترون بالأشجار والأحجار والجدران مخافة أن يبدأهم النبيُّ ÷ بالمباهلة، وهم يصيحون وينادون بأعلى صوتهم:

  يا أبا القاسم، قد رأينا أن لا نباهلك، يا أبا القاسم أقلنا أقالك الله.

  فَرَقّ النبي ÷ لهم، وأخذته الشفقة عليهم والرحمة بهم، رجاء أن يكونوا قد عرفوا الحق، ثم أقبلوا حتى بركوا بين يديه، ثم قالوا: أقلنا أقالك الله يا أبا القاسم، فقال ÷: أقيلكم على أن تجيبوني إلى واحدة من ثلاث:

  فقالوا: وما هي؟.

  فقال: أدعوكم إلى الإسلام، فتكونون إخواننا لكم مالنا وعليكم ما علينا.

  قالوا: لا سبيل إلى هذه.

  قال: جزية نفرضها عليكم تؤدونها إلينا كل سنة، وأنتم صاغرون.

  قالوا: لا سبيل إلى هذه، فهات الثالثة، فقال: الحرب.

  قالوا: لا طاقة لنا بك، فصالحوه على ألفي حلة ألف في رجب، وألف في صفر، وعلى عارية ثلاثين درعاً، وثلاثين رمحاً، وثلاثين فرساً إن كان باليمن كيد، ورسول الله ÷ ضامن بها حتى يؤديها إليهم.

  فقال ÷: «والذي نفسي بيده لقد تدلّى العذاب على أهل نجران، ولو لاعنوني لمسخوا قردة وخنازير، ولو باهلتهم ما بقي على وجه الأرض منهم أحد، ولأضرم الله عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير في رؤوس الشجر، ولقد حُشِرَ علي بالطير والعصافير من رؤوس الشجر لمباهلتهم»، فأمر النبي ÷ أمير المؤمنين علياً # أن يكتب لهم