روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم

صفحة 46 - الجزء 1

  (أيها القوم: ارجعوا إلى أنفسكم، فانظروا من أنا، فأنا الحسين بن فاطمة، جدي محمد رسول الله ÷، وأبي علي بن أبي طالب فارج الكرب عن رسول الله وأول من قال لا إله إلا الله معه، وأمي فاطمة بنت رسول الله سيدة النساء، والله ما بين جابلص - وهي آخر بلد في المشرق - وجابلق - آخر بلد في المغرب - ابنُ بنت نبي غيري، أما في هذا مانع لكم عن قتلي وسفك دمي)، فلم يجيبوا عليه.

  ثم إنه # أراد تأكيد الحجة عليهم فقال لهم: (يا قوم: بماذا تستحلون قتلي وسفك دمي، أبقتيل قتلته منكم؟! أم بمال أخذته عليكم؟!)، فلم يردوا عليه جواباً، ولم يلقوا إليه خطاباً، وكأن على رؤوسهم الطير.

  وبعد هذه الخطابات من الحسين قام بعضُ أصحابه بخطاب تلك الجموع الغاشمة، يعظونهم ويخوفونهم ويزجرونهم عن الإقدام على هذه الجريمة البشعة، إلا أنها عبارات تحملها الرياح دون أن تؤثر في القلوب التي قد طبع عليها حب المال، فأصبحت لا ترى شيئاً سواه.

  ثم إن الإمام الحسين # طلب لقاء عمرَ بنِ سعد شخصياً، فوبخه الإمام الحسين وبَيَّنَ له شناعةَ موقفه، وسوء عاقبته، وقال له: (أتيت لقتلي، تريد أن يوليك الدعي ابن الدعي بلاد الري وجرجان، أما والله لا تتهنأ بذلك أبداً، ولا تتهنأ بعدي بدنيا ولا آخرة، عهداً عهده إليّ أبي)، فلم ينفع ذلك ولم يؤثر، لأن أمر الأمير عندهم أصبح فوق أمر الله.

  فلما فشلت كل المحاولات من الحسين وأصحابه في ثنيهم عن رأيهم، وردهم عن قبيح فعلهم، قام الحسين # فجهز أصحابه، وكلٌّ عَبَّأ أصحابه ورتب جيشه، إلا أن جيش الحسين يزيد على جيش العدو بأضعاف مضاعفة في الدين والإيمان والتقوى، وجيشَ العدو عار عن الدين والإيمان زائد في العدة والعدد، وتوالت الكتب والرسل من ابن زياد إلى ابن سعد في تعجيل قطع النزاع، وسرعة