العاشر: الخطب المتعلقة بالعبادات والإخلاص
  أيها المؤمنون: لَقَدْ وَصَفَ اللهُ تعَالَى المؤمنينَ بشدَّةِ حُبِّهِم لَهُ فقالَ تعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ}[البقرة: ١٦٥]، لأنّ حُبَّ اللهِ يُوَرِّثُ القَلبَ حَلاوةَ الإيمانِ، فَيَتَلَذَّذُ العبدُ بطاعةِ اللهِ وذكرِه، وعَنْ النَّبِيِّ ÷ أنه قَالَ: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ»، فَكُلَّمَا زَادَتِ المحبةُ لله في قلبِكَ زَادَ تلذُّذُكَ بطاعَتِهِ وعبَادَتِه.
  والقلبُ إذَا خَلَا من حُبِّ اللهِ أو ضَعُفَتْ فيهِ المحبةُ يَرَى بِأَنَّ طاعةَ اللهِ وعبَادَتَهُ ثقيلةٌ عليه، فهو ينتظِرُ بفَارِغِ الصَّبرِ مَتى تنتهي صلاةُ الجمَاعَة، لِثِقَلِ الصَّلَاةِ على قلبِه، بل يحاولُ الفرارَ من الجماعَةِ لثقلِها عَلَى جَسَدِهِ وقَلْبِه، كَم مِن هذَا الصِّنفِ مَنْ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الجمَاعَةِ أثقلُ عليه من نقلِ الجبَالِ - والعياذُ بِاللهِ -، وبَقدرِ مَا يَعظُمُ حُبُّ الدنيا في القلبِ يكونُ على حِسَابِ نُقصَانِ حُبِّ اللهِ، إِذْ لَا يجتَمِعُ حُبُّ اللهِ وحُبُّ الدنيا في قَلْبٍ، كما قال القائل:
  وحُبَّانِ في قلبي مُحالٌ كِلاهما ... محبةُ فردوسٍ ودارُ غرور
  ومن يرجُ مولاه ويرجُ جوَارَهُ ... يُسَابِقْ في الخيراتِ غيرَ فَتُور
  وهل صادقٌ من يدعي حُبَّ رَبِّه ... وأَمسَى عن اللَّذَّاتِ غَيرَ صَبُور
  إنَّ محبةَ اللهِ يُعطيها اللهُ للذين يحبهم، فَمَا من مُحبٍّ للهِ إلا واللهُ يحبه، كما أخبرَ بذلك في كتابه حيثُ قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة: ٥٤].
  وعن النَّبِيِّ ÷ «لَا يَمْحَضُ رَجُلٌ الإيمانَ حتّى يكونَ اللهُ أحَبَّ إليهِ مْن نفسِهِ وأَبيهِ وأمّهِ ووَلَدِهِ وأهلِهِ ومالِهِ ومِن النّاسِ كلِّهِم».