الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب
  وأما العقوبات الأخروية التي أعدها الله تعالى للمعرضين، فهي الشقاء والنكال، والحسرة والوبال، والخلود في العذاب الدائم المقيم، فالمعرض يحمل يوم القيامة وزر إعراضه، وإثم توليه وإدباره، كما قال تعالى {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْرًا ٩٩ مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْرًا ١٠٠ خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا ١٠١}[طه]، وَالذِّكْرُ هُوَ القُرْآنُ، فَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ تَعَالَى.
  فعليك أخي المؤمن: أن تتخيل يوم القيامة الحالة التي أخبر الله تعالى أنه يحشر المعرضين عليها، في قوله تعالى {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ١٢٤ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا ١٢٥ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ١٢٦ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ١٢٧}[طه]، يسلبه اللهُ عينيه في عرصات القيامة فلا يرى أمامه، كيف يسير؟ كل الخلائق ترى وهو لا يرى، فيقول: رب لم حشرتني أعمى؟ كيف أسير؟ كيف أرى كتابي؟ كيف أرى ميزاني؟ كيف أرى صحفي؟ كيف أهتدي إلى طريقي؟ فيجيبه الله تعالى {قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ١٢٦}[طه]، كما قال تعالى: {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا ٩٧}[الإسراء]، تجره الزبانية على وجهه، وتكبه على منخره، وهو يسمع شهيق النار، وصراخ المعذبين، ولا يرى شيئاً، لا يرى أمامه ولا خلفه ولا فوقه ولا تحته، ثم يلقى في النار على وجهه، قالوا: يا رسول الله! كيف يمشون على وجوههم؟ قال ÷: «إن الذي أمشاهم على أرجلهم لقادر أن يُمَشِّيَهم على وجوههم».
  أيها المؤمنون: إن المعرضين عن الله تعالى فيهم كفار ومنافقون، وفيهم دعاة إلى سلوكهم في الإعراض، والكافر قد يلقي الشبهة على المؤمن ليصده عن السبيل، ويزين له الإعراض عن الدين، والمنافق في ذلك أخطر من الكافر؛ لأنه متلبس بالإسلام