الثاني عشر: الخطب المتعلقة بأمراض القلوب
  ظاهراً، ويتكلم بلسان المؤمنين، ويظهر النصح لهم، وهو يهدم دينهم من داخله، فكان الإعراض عن أهل الإعراض من الكفار والمنافقين هو العلاج الأنجح لحماية المؤمنين من فتنة الإعراض عن دين الله تعالى، وفتنة الاعتراض على حكمته وشريعته.
  فقد بين الله طريقة التعامل مع المعرضين؛ لئلا يجرفَ المعرضون غيرهم إلى إعراضهم، فيصدوهم عن الحق، ويزينوا لهم الباطل.
  ورأس الأمر الرباني في التعامل مع المعرضين هو الإعراض عنهم، كما قال الله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٢٩}[النجم]، أي: لا تأس عليهم إذ لم يهتدوا؛ لأن بعض الناس في دعوته الكفار إلى الإيمان قد يتنازل عن شيء من الشريعة يعلم أن الكفار لا يريدونه؛ وذلك لترغيبهم في الإيمان، أو يكتم عنهم شيئاً لا يقبلونه حين يسألونه عنه، فينكره أو يتأوله خوفا من إعراضهم عن الإسلام بسببه، فيتنازل عن بعض المبادئ لأجل الآخرين، وهذا مزلق خطير، وقع فيه بعض من يدعون إلى الإسلام، فأرادوا أن يستدركوا على الله ø، فحرفوا شريعته.
  والتوجيه الرباني واضح كل الوضوح في وجوب الإعراض عمن أعرض عن دين الله تعالى، وليس مساومته على شيء من الشريعة ليقبلها. فمن تولى عن ذكر الله تعالى، وجب الإعراض عنه بنص الكتاب؛ وذلك أن مهمة الداعية إلى الحق هي البلاغ لا الهداية، فمن تولى عن سماع البلاغ أو قبوله فلا حيلة فيه، كما قال الله تعالى {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}[الشورى: ٤٨]، وقوله تعالى {فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ}[آل عمران: ٢٠]، وقوله تعالى {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ ٣٠}[السجدة].
  وأما الإعراض عن المنافقين فجاء في آيات كثيرة؛ لأن خطر المنافق أعظم من خطر الكافر {سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ٩٥}[التوبة]، فبين سبحانه سبب الإعراض