روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم

صفحة 56 - الجزء 1

  فبدلاً من مواساتهم في تلك الحال الموجعة جاءت المواساة من نوع آخر، فقد أمر عمر بن سعد بأن تحمل النساء على أقتاب الإبل بلا وطاء ولا حجاب، فقدمت النياق لترحيل حرم رسول الله ÷، لقد كانت هذه المواساة في منتهى القساوة والفظاظة، وكأنها حالة انتقام منهن أيضاً، إنها وصمة خزي وعار لا تمحى ولا تزول بمرور القرون، لقد وصموا جبهة التاريخ الإسلامي بهذا العار.

  وتم سوق بنات رسول الله ÷ سبايا من كربلاء إلى الكوفة، حيث مروا بهن على القتلى، وهم جثث مزملة بالدماء، مطروحة على الثرى، وقد فرق بين رؤوسهم وأجسادهم، والريح تسفي عليهم، فلما نظرت النسوة إلى تلك الجثث صحن وبكين ولطمن خدودهن، وهن يندبن القتلى، ووصلن إلى الكوفة حاسراتٍ، لغباتٍ جائعاتٍ، مفجوعاتٍ مرعوباتٍ، وقد انتحبت حلوقهن، وتقرحت من البكاء عيونهن، وشحبت من التعب وجوههن، والرؤوس في مقدمتهن، وحصل في الكوفة ما حصل.

  ثم جاء الأمر من يزيد بإرسال الرؤوس والسبايا إلى الشام، فاستدعى ابن زياد مفخر بن ثعلبة العائذي، وشمر ابن ذي الجوشن، للإشراف على القافلة ومن معها من الحرس، وسلم إليهم الرؤوس والأسرى، وأمر بعلي بن الحسين # أن تُغل يداه إلى عنقه بسلسلة من حديد، فساروا بهن إلى الشام كما يسار بسبايا الكفار، يتصفح وجوههن أهل الأقطار، ولقد كانت رحلةً مليئة بالإزعاج والإرهاق، وأنواع الصعوبات، فقد كان الحراس المرافقون قد تلقوا الأوامر بأن يعاملوا النساء والأطفال بمنتهى القساوة والفظاظة والغلظة، فلا يسمحوا لهم بالإستراحة اللازمة من أتعاب الطريق ومشاقه وصعوباته، وأن يواصلوا بهم السير الحثيث، للوصول إلى الشام وتقديم الرؤوس الطاهرة إلى الطاغية يزيد.