الأول: الخطب المتعلقة بشهر محرم
  وبعد مشقة السير، ووعورة الطريق، وتعب السفر، وطول المسافة، والجوع الشديد، والسهر والعناء، وصل موكب الحزن والأسى إلى دمشقَ من بلاد الشام: عاصمة الأمويين، ومركز قيادتهم، وبؤرة الحقد والعداء، ومسكن الأعداء الألداء، فأمروا بتزيين المدينة بأنواع الزينة، والإعلان في الناس عن وصول قافلة أسارى وسبايا خرج رجالهم من الدين وتمردوا من طاعة الخليفة، فحكم عليهم يزيد بالقتل فقتلهم وسبى نساءهم ليعتبر الناس بهم، ويعرفوا مصير كل من يتمرد على حكم يزيد.
  ولما أدخلوهن دمشق طافوا بهن في شوارع المدينة المؤدية إلى قصر الطاغية يزيد، ومعهن الرؤوس على الرماح، ثم جاؤوا بهن حتى أوقفوهن على دكة كبيرة كانت أمام باب المسجد الجامع بدمشق، حيث كانوا يوقفون سبايا الكفار على تلك الدكة، ويعرضونهم للبيع، ليتفرج عليهم المصلون عند دخولهم إلى المسجد وخروجهم منه، وبذلك يختارون من يريدونه للإستخدام ويشترونه.
  ثم وفدوا بهم إلى قصر يزيد، فلما أدخلوهم إليه ربطوهم بالحبال في أعناقهم وأكتافهم، وأدخلوهم عليه، فجعل يتفحصهم ويتأمل في وجوههم.
  ثم حصلت المصيبة الأليمة حيث وضع رأس الحسين بين يدي يزيد، وأمر بالنساء أن يجلسن خلفه لئلا ينظرن إلى الرأس، ثم دعى يزيد بقضيب، فجعل ينكت به ثنايا الإمام الحسين.
  فأقبل عليه أبو برزة الأسلمي وقال: ويحك يا يزيد! أتنكت بقضيبك ثغر الحسين بن فاطمة؟! أشهد لقد رأيت النبي ÷ يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن ويقول: «أنتما سيدا شباب أهل الجنة، قتل الله قاتلكما ولعنه وأعد له جهنم وساءت مصيراً»، فغضب يزيد وشجه بالقضيب على وجهه، وأمر بإخراجه، فأخرج سحباً، وجعل يزيد يقول: