الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق
  ما أقبحَ غايةَ الكذب، وما أسفلَ مرتبةَ الكاذب، الكذبُ يفضي إلى الفجور وهو الميل والإنحراف عن الصراط السوي، ثم مصيرُ صاحبه إلى النار، وبئس القرار، ويا ويلَ أهلِ النار، والكاذبُ سافلٌ ساقط من عين رحمة الله ورعايته، لأنه مكتوب عند الله كذابًا، كما قال النبي ÷ «لا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً»، وبئس هذا الوصف لمن اتصف به، إن الإنسان لينفر أن يقال له بين الناس يا كاذب، فكيف يرضى أن يكتب عند خالقه كذابًا، وإن الكاذب لمحذور في حياته لا يوثق به في خبر ولا معاملة، وإنه لموضع الثناء القبيح بعد وفاته.
  أيها المؤمنون: هناك بعض الأحوال التي يتساهل بها الناس، ويعدونها من الأمور الجائزة وهي من الكذب المنهي عنه، الذي ورد التهديد والوعيد عليه، ونذكر منها ما يلي:
  الأول: البعض من الناس يتخذ الكذب مهنة ليضحك به القوم فيألف ذلك ويعتاده، لما يرى من ضحك الناس عليه، ويستمر على عمله فيهون عليه، وقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي ÷ «ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ثم ويل له».
  الثاني: البعض من الناس يكذب على الصبيان، لأنهم لا يوجهون إليه النقد، ولكنه في الحقيقة أوقع نفسه في الكذب، وفتح لهم باب التهاون به، والتربي عليه، فعن عبد الله بن عامر أن أمه دعته ذات يوم فقالت له: تعالَ أعطك، فقال النبي ÷: «ما أردت أن تعطيه»، قالت: تمرًا، فقال لها رسول الله ÷ «أما إنك لو لم تعطه شيئاً لكتبت عليك كذبةً».
  الثالث: من أنواع الكذب الكذبُ في الرؤيا، فالبعض قد يخترع حلماً، أو يزيد فيه ما ليس فيه، وقد قال النبي ÷ «إِنَّ مِنْ أَفْرَى الْفِرَى أَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ مَا لَمْ تَرَ»، والْفِرْيَةُ: هي الْكِذْبَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي يُتَعَجَّب مِنْهَا، ومعنى الحديثِ أنَّ من أعظمِ أنواعِ الكذبِ أن يقولَ الإنسانُ: رأيتُ في منامي كذا وكذا وهو في