روائع الخطب المنبرية للجمع والأعياد والمناسبات الدينية،

إبراهيم الدرسي (معاصر)

الثالث عشر: الخطب المتعلقة بالفضائل والخصال الحميدة ومكارم الأخلاق

صفحة 180 - الجزء 2

  فالأمانة بمعناه الأعم تكون في كل شيء يكون الإنسان واليًا عليه، سواء كان أمراً خاصاً أو عاماً، فهو أمين عليه يجب أن يؤدي الأمانة فيه، فالقاضي أمين، وولي اليتيم أمين، وناظر الأوقاف أمين، وأوصياء الوصايا كذلك، فالأمناء يجب عليهم أن يقوموا بالأمانة التي عليهم بأحسن قيام.

  والذي يدل على هذا: ما روي عن عبد الله بن مسعود قال «القتل في سبيل الله يُكفر الذنوب كلها إلا الأمانة، يؤتى بالعبد يوم القيامة وإن قتل في سبيل الله فيقال: أدّ أمانتك، فيقول: أي رب، كيف وقد ذهبت الدنيا؟ فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه، فيراها فيعرفها فيهوي في أثرها حتى يدركها فيحملها على منكبيه، حتى إذا ظن أنه خارج زلت عن منكبيه فهو يهوي في أثرها أبد الآبدين، ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والكيل أمانة، وأشد ذلك الودائع».

  قال الراوي: فأتيت البراء بن عازب فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟! قال البراء: صدق أما سمعت الله يقول: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ}⁣[النساء: ٥٨]، إن عدم استشعار المسئولية الملقاة على العاتق، والتساهل والتهاون بالأمانة التي حملنا الله إياها، هو الذي أوصلنا إلى هذا الحال المتدني على أبلغ المستويات، فمن لا تجد لديه الإحساس بعظم الأمانة يقل إحساسه بغيرها بل يعدم.

  أيها المؤمنون: الصفة الذميمة التي تقابل الأمانة، وهي ضد لها هي صفة الخيانة، فقد ذم الله تعالى الخيانة وأهلها، كما يقول تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ١٠٧}⁣[النساء]، وقال تعالى {وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ٥٢}⁣[يوسف]، معناها: أن كل خائن لا بد أن تعود خيانته ومكره على نفسه، ولا بد أن يتبين أمره، ويقول تعالى {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ ٥٨}⁣[الأنفال].

  وبما أن الأمانة من صفات المؤمنين فالخيانة من صفات وعلامات المنافقين كما قال النبي ÷ «أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر».