وجوب التداوي على المستعطش المستطيع
  فهل يصلي هكذا وقد تمكن من الستر والماء والقيام؟! هل يقول عاقل بهذا؟! وهذا معنى قولهم: (ما لا يتم واجب إلا به وجب بوجوبه).
  وإذا أمعنت النظر فيما رقمه الفقيه لم تظن أنه جاء لكلام الإمام شارحًا، لا هو مبين لمجمله، ولا موضح لغامضه، ولا مفسر لمراده، فمن أول البحث يقول الإمام: (ما لا يتم الواجب إلا به ....)، وهو هدفه ومرماه.
  فيحوله الشوكاني ويقول: «تحصيل شرط الواجب ليجب لا يجب» اهـ! وإنما قصد الإمام بتحصيل ما لا يتم، الذي وجب وثبت في الذمة لأدائه على أتم وجه يجب. وهذا لا لبس فيه، لكن الفقيه أدخل البحث في غَوَاية، وأحاطه بعَمَاية، فكلام الإمام في وادٍ، وكلام خصمه تائه بلا هاد.
  والذي يستقر في خَلَدي، وتسكن إليه نفسي أنه ليس من أهل الأصول، وأن حظه منه كحظه من علم العربية، وعلم المناظرة، والتفسير، وأن علمه بالنسبة إلى علم العلماء المحققين يشبه لعَاب المنية في السيوف، فلئن كان هكذا فقد يُعْذَر في خبطه، لكنه لا يعذر في مغامرته للرد على الأئمة والعلماء، وتصدره للفتوى والحكم، ومن الغريب الشاهد لنا بمحصوله العلمي قوله في آخر بحثه: «بل كان يلزم وجوب الإقامة ليجب الصوم ...» اهـ. هكذا يقول، وكأن المسافر إذا سافر سقط الوجوب(١) عنه! وكأن السفر عنده مسقط للوجوب! لأنه لا يفرق بين وجوب الواجب وبين وجوب الأداء، ولقد كان لزامًا على كل مسلم ترك السفر إن منع من الصوم، أو أن يصوم وإن شق عليه لولا قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}[البقرة: ١٨٤]، فسقط وجوب الأداء أي: حين رخصه، لا حتما، فمن قدر عليه مسافرًا قُبل منه، نعم: هذا ما يقتضيه المقام، وأحذرك من حبائل الشوكاني؛ فإنه يدعو إلى هواه بغير هدى، ويدّعي فهمًا بلا فهم.
(١) بل يسقط عن المسافر وجوب الأداء فقط لا الوجوب من أصله تمت شيخنا.