الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الإجمال في كلمة الحج

صفحة 121 - الجزء 2

الإجمال في كلمة الحج

  قال الإمام: قول الله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}⁣[آل عمران: ٩٧] مجملٌ واجب يحتاج إلى بيان. اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «الحج في اللغة: القصد، فمعنى قوله تعالى: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ}⁣[آل عمران: ٩٧]: ولله على الناس قصد البيت، القصد لا إجمال فيه. وأما قوله ÷: «خذوا عني مناسككم» فهو أمر بالاقتداء به في أفعاله وأقواله، والأمر يفيد الوجوب، فتكون المناسك التي بيَّنها ÷ واجبة إلا ما خصه دليل ... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: هو في بحثه هذا قد استمد من الجلال أظهر بعض عباراته، ونسب بعضها إليه {وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللَّهِ}⁣[آل عمران: ١٢٦]. لا يخفاك أن الحج وإن كان لغة هو القصد إلا أن الحقيقة الشرعية قد غلبتها، وصارت حقيقة في الحج ذي الأذكار والأركان، فإذا أطلق الحج فلا يتبادر منه القصدُ المجرَّد، وإنما يتبادر الفريضة بما اشتملت عليه. كما هو الحال في (الصلاة)، و (الصوم)، و (التيمم) فلا يتبادر إلا الحقيقة الشرعية، وقد أصبحت اللغوية مجازًا تحتاج إلى قرينة عند الإطلاق، وأصبحت لا مقام لها في الشرع، ألا ترى أن التيمم عندهم هو القصد، وحينما أراد عمار ¥ أن يتيمم لم يصب مراد الشرع تمرغ فيه، ثم قيل له: (إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا أو هكذا). إذا تقرر هذا فاعلم أن الجلال والشوكاني قد أخطآ جادة الصواب في دعواهما عدم الإجمال في كلمة الحج التي هي الحقيقة الشرعية؛ لأنها انسلخت عن المعنى الجزئي الذي هو مجرد القصد، وأصبحت تدل دلالة مطابقة على مجموع مفهوم الحج، وتضمًّنا على بعضه، فهناك إحرام، ووقوف، وسعي، ورَجْم، ومَبيت، وطواف، وكلمة الحج أصبحت تدل على هذا المفهوم. ولمكان الإجمال افتقرت إلى البيان.