الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

ابن السبيل

صفحة 523 - الجزء 1

ابن السبيل

  قال الشوكاني: «قوله: وأما بنو السبيل فهم مارة الطريق ... إلخ، أقول: إذا كان ابن السبيل فقيراً لا يملك شيئاً في وطنه ولا في غيره فلا نزاع في أنه يعان على سفره بنصيب غير النصيب الذي يأخذه لأجل فقره، وإن كان غنياً في وطنه وفي المحل الذي يريد السفر منه فلا نزاع أنه لا يأخذ شيئاً لكونه ابن سبيل، وإن كان غنياً في وطنه ولم يتمكن من ماله في المحل الذي يريد السفر منه، فإن كان لا يمكنه القرض فلا ريب أنه يعان على سفره، وإن كان يمكنه القرض فهذا محل النزاع» اهـ كلامه.

  أقول: هذا كلامه هنا، وقرّر وكأن قولَه حجة الإجماع! أن ابن السبيل لا يعطى إلا إذا كان معدماً لا مال له في وطن غربته ولا في غيره فإنه يُعْطَى، ولماذا لم يدخله الفقيه في إطلاق الآية كما أدخل الغارم ولو غنياً؟! وما هو الفارق والآية واحدة في الغارم وابن السبيل؟! وبأي كتاب أو بأية سنة نلجئه إلى القرض، وله سهم مفروض في كتاب الله غير مقيد بقدرته على القرض؟! وهل هذا إلا من التقول على الله بما لم يقل، واتباع الهوى حين فَرَضَ⁣(⁣١) المعونة وسهماً في الزكاة لغارم ولو غنياً أو فاسقاً بدون شرط ولا قيد، وحرم ابن السبيل؟!

  والواقف على ما بين المسألتين يعرف أن الفقيه يتجرّ أعلى كتاب الله، ويقول فيه برأيه ويخرج عن منطوقه ومفهومه، «كل شرط ليس في كتاب الله فهو رد»، و «كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد».

  نعم: الواجب إعطاء ابن السبيل المحتاج في بلد اغترابه ولا نلزمه أن يقترض، ولو كان غنياً في بيته؛ لأنه في حكم المضطر، ولأنه فرض له هذا بدون شرط، وفي البحث السابق - حين أدخل الغارم والفاسق - لم يعول على شيء إلا على إطلاق الآية.

  وهاهنا رفض الإطلاق، ونعى على الإمام أنه يعوِّل على الإطلاق كما هي عادته في هذا الكتاب!

  فإياك أن تغتر بالمظهر، غافلاً عما في الباطن من وَضَر.


(١) الشوكاني. تمت شيخنا.