الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب تجديد النية لكل يوم

صفحة 18 - الجزء 2

وجوب تجديد النية لكل يوم

  قال الشوكاني: «قوله: ويدل قول النبي ÷: «لا قول إلا بعمل ولا قول ولا عمل إلا بنية» على وجوب تجديد النية لكل يوم، أقول: لا يخفى أن النية مجرد القصد إلى الشيء من دون اعتبار أمر آخر، ولا ريب أن من قام في وقت السحر وتناول طعامه وشرابه في ذلك الوقت من دون عادة لديه في غير أيام الصوم فقد حصل له القصد المعتبر، وكذلك الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس لا يكون إلا من قاصد للصوم بالضرورة، إذا تقرر هذا فمجرد القصد إلى السحور قائم مقام التبييت للنية عند من اعتبر التبييت، ومجرد الإمساك عن المفطرات في جميع النهار يقوم أيضاً مقام النية عند من لم يعتبر التبييت» اهـ كلامه.

  أقول: اعلم أعاذك الله من الخطل، ورزقك النية الصادقة التي يُقبل معها العمل، أن لو كانت النيةُ مجرد القصد للفعل لما صح ولما جاز من عاقل اشتراطها فكيف من نبي معصوم عن العبث حتى جعلها ركناً أو فرضاً وقال: «لا عمل إلا بنية»؟! ولكان قوله هذا نوعاً من العبث كما تقول: (لا مشي إلا بأرجل) ولا يصدر هذا من عاقل، والخولاني⁣(⁣١) قد نَزَا به سوء الفَهْم، وقبح الوَهْم، إلى أن رمى المصطفى ÷ بأنه اشترط في الفعل ما لا يتم وجوده وتحصيله بالضرورة إلا به! وهو قول لم يقله عاقل، ولم ينقله أحد غير الخولاني ناقل؛ إذ لو كان مجرد القصد هو النية لما جاز اشتراطه، ولاستوى في ذلك المخلص والمنافق، والسابق والآبق، بل والمجنون؛ لأن العقلاء نسبوا فعله إليه فقالوا: (مَزّق الثوبَ المجنونُ) ولا فعل إلا بقصد، بل نسبوا الفعل إلى البهيمة فقالوا: (ركضتْه الدابةُ) ولا فِعْل إلا بقصدٍ، ولهذا غَضِبَ ربُّها وضَرَبَها، ولو تأمل الفقيه في قوله ÷: «لا عمل إلا بنية» لأدرك من خلال الحديث أنه غالط؛ لأن (لا) النافية لا تدخل على واحد مراداً به الواحد،


(١) يقصد شيخنا بالخولاني الشوكاني لأنه من بلاد شوكان في خولان الطيال.