الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

حد الفدية

صفحة 210 - الجزء 2

حَدُّ الفدية

  قال الإمام: الفدية: هي العبادة الواجبة عما يرتكبه المحرم من محظورات الإحرام، والذي يدل على صحة هذا الحد: أ - أنه يشتمل على: ١ - جنس. ٢ - وفصل. فقولنا: (العبادة) جنس الحد. وقلنا: (الواجبة) فَصَلْناه - أي الجنس وهو العبادة - عما كان مندوبا، وسائرُ اللفظ هو فَصْلُ الحد، ب - ولأنه يطرد المعنى فيه، وينعكس، وهو⁣(⁣١) أمارة صحة الحد، وهو أجلى من المحدود، وهو جامع مانع. اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «قوله: وهو أمارة صحة الحد ... إلخ. أقول: في الحد بحث من وجوه: الأول: أن الفدية ليست بعبادة، بل العبادة تَجَنُّب المحظور لا ما وجب لأجل فعله؛ فهو - أي المحظور - بمنزلة أروش الجنايات، وهي ليست من العبادات. الوجه الثاني: أن العبادة ليست بذاتية للفدية؛ فلا تكون جنسًا؛ لأن الجنس لا يكون إلا بالذاتيات لا بالعرضيات. والثالث: أن قوله: (الواجبة) ليس أيضا ذاتيًّا بالفدية؛ فلا يكون فصلاً. الرابع: أن قوله: (عما يرتكبه المحرم) يدخل تحته الجزاء؛ فإنه لزم عما ارتكبه المحرم من محظورات الإحرام، وهو قتل الصيد مثلا، وكذلك الكفارة، فبعضها يلزم عما ارتكبه المحرم من محظورات الإحرام، وهو الوطء مثلا، وكذلك القيمة؛ فقد دخل تحت الحد مع الفدية ثلاثة أشياء، فلم يكن ما ذكره حدًّا، ولا جامعًا، ولا مانعا ولا مطردًا ولا منعكسا ولا أجلى. أما كونه ليس بحد فلأن مدار الحدية على ذكر الذاتيات، ولم يذكر منها هاهنا شيئًا، وأما كونه ليس بجامع فلما عرفت من شمول الحد لغير المحدود» اهـ كلامه.

  أقول - ومنه أستمد التوفيق؛ فلا بلاغ إلا به -: لا يخفاك أن مِنْ أغرب ما يسمع سامعٌ أو يقرأ قارئ إنكار أن شيئاً مأمورًا به شرعًا عبادة؛ لأن العبادة شاملة لكل فعل أمر به


(١) أي الاطراد والانعكاس في الحد.