الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

التحليل

صفحة 347 - الجزء 2

التحليل

  قال الشوكاني: «قوله: لم يهدم النكاح الثاني ما تقدم من الطلاق ... إلخ. أقول: إذا هدم النكاح الثلاث، وصارت معدومة فبالأولى أن يهدم الواحدة والاثنتين، وقد تقرر في الأصول أن قياس الأولى الذي يسمونه: فحوى الخطاب معمول به، وهو الذي تقتضيه لغة العرب، ومحاوراتهم، فإن قام دليل يدل على عدم اعتبار هذا فهو المقدم. وأما مذاهب الصحابة فقد روي في الباب كثير منها، وأشار المصنف إلى بعض ذلك حتى قال مالك: إن ذلك هو السنة التي لا اختلاف فيها، ولكن لم نجد في الأدلة المرفوعة ما يفيد هذا» اهـ كلامه.

  أقول: نعم لقد ظَلْتُ مدة غير قصيرة أردد في ذهني هذه المسألة من بعد اطلاعي على خلاف المخالف في (ضوء النهار)، في أن التحليل إذا هدم الثلاث طلقات فهو على هَدْم ما دونها أقدر. وأقول: كيف هذا والإجماع على خلافه حتى من السلف كما إشار إليه الفقيه؟! وحتى قال مالك ما حكاه⁣(⁣١) عنه، حتى منَّ الله بفضله بوقوفي على ما يرفع الإشكال، وذلك من معين تحقيق من أصول بعض الحنفية. وزبدة القول فيما يلي:

  إن التحليل لم يرفع الثلاث طلقات، وإنما رفع حرمة المراجعة الناشئة عن الثلاث؛ فالواحدة والاثنتان لم يسببا حرمة مراجعة، بل له مراجعتها ما دامت في العدة بلا عقد ولا مهر، وهي زوج له، وهو بعلها بحكم قوله تعالى: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ}، وحينما وقعت الطلقة الثالثة جاءت حرمة المراجعة، ولم تبق زوجاً له، ولا هو بعلها، فشرع الله التحليل؛ لاستئناف حل جديد، ولما لم تكن له زوجًا ولا هو بعلها غُلِّظَت المراجعة، واشترط فيها ما يشترط في النكاح ابتداء من رضاها، ومهر، وعقد، وقول بعض العلماء: لا


(١) أي الشوكاني.