الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب التداوي على المستعطش المستطيع

صفحة 46 - الجزء 2

وجوب التداوي على المستعطش⁣(⁣١) المستطيع

  قال الشوكاني: «قوله: ويجب على المستعطش إذا وجد دواء يزيل علته أن يتداوي؛ لأنه لا يتم الواجب الذي هو الصوم إلا بذلك، فوجب بوجوبه ... إلخ. أقول: استطاعة الصوم شرط في وجوبه، فغير المستطيع لا يجب عليه، وقد تقرر أن تحصيل فرض الواجب ليجب لا يجب، وهو صحيح؛ لأن الخطابات الشرعية إنما تتناول من كان يصح منه أداؤها ابتداء أو بعد إزالة المانع: كالكفر ونحوه. وأما الشروط التي ليست بموجودة حال الخطاب فلا يجب على المكلف تحصيلها، وكذلك الموانع التي ليست من فعل المكلف إذا تقرر هذا فمثل المستعطش والمستأكل قد عرض لهما مانع من الصوم ليس من فعلهما، وتحصيل شرط الصوم - وهو الاستطاعة - لا يجب عليهما، وليس ذلك من باب ما لا يتم الواجب إلا به ... إلخ» اهـ كلامه.

  أقول: الاستطاعة شرط في وجوب الأداء لا في وجوب الوجوب، والممنوع أصوليًّا هو تحصيل شرط الواجب ليجب، لا تحصيل ما لا يتم الواجب إلا به، نعم: للواجب شرطان: الأول: شرط لوجوب الواجب: كالتكليف، والعقل، وكتحصيل المال؛ ليبلغ النصاب لأداء الزكاة، وهذا لا يجب تحصيله إجماعًا، ولا يشترط فيه القدرة على الأداء، إنما يكفي فيه الامتثال والإيمان بوجوبه حتى يحصل وجوب الأداء، فيجب الأداء؛ إخلاء للذمة مما تحملت، والثاني: شرط أداء، وهو المعنيُّ بقولهم: (ما لا يتم الواجب إلا به يجب كوجوبه) واجب إجماعا، وإن شذّ من جَهِلَ، وذلك كالقيام، والقعود، ونحوهما في الصلاة، فإن تعذر سقط الوجوب وأدَّى ما أمكن، فالصلاة - مثلًا - كانت واجبة بركوعها وسجودها، فإن عَرَض مانع سقط الوجوب، فإن تمكن من إزالة المانع وجب إزالتُه، وأصبح مع قدرته على إزالته غير معذور؛ لأن ترك ما لا يتم الواجب إلا به - مع قدرته عليه - فللضرورة يصلي عاريًا قاعدًا وبالتراب.


(١) المستعطش: كالمريض بالسكر ونحوه. اهـ.