الحج عن الميت والاستئجار له
الحج عن الميت والاستئجار له
  قال الشوكاني: «قوله: باب الحج عن الميت والاستئجار له ... إلخ. أقول: اعلم أن الحج من الواجبات المتعلقة ببدن المكلف؛ والظاهر في الواجبات البدنية أنها لا تلزم بعد رفع قلم التكليف، وانتقال المكلف من هذه الدار؛ لأنه لم يبق من طُلِبَ منه الفعل، فمن قال: (إنه يلزم الميتَ الإيصاءُ بشيء من الواجبات البدنية بأن يفعله عن غيره بعد موته لم يُقْبَل إلا بدليل)، أو قال: من تبرع عن ميت بفعل واجب بدني أجزأه، لم يُقْبَل إلا بدليل ..... وأما الحج فلم يرد ما يدل على وجوب الوصية على الميت به، بل ورد ما يدل على وقوع الحج من القريب عن قريبه الميت، كما في حديث (من نذرت أخته أن تحج فماتت قبل أن تحج)، وكذلك ورد مما يدل على وقوع الحج من الولد لأبيه إذا كان في الحياة عاجزًا عن الإتيان بالفريضة كما في خبر الخثعمية. وأما إيجاب الوصية بالحج، وأنه يجزئ من كل أحد عن كل ميت فلا دليل على ذلك. نعم: إذا أوصى بالحج ... إلخ. وأما كون ذلك يسقط الواجب على الميت فمحل تردد عندي، ولا سيما إذا كان الذي حج عنه ليس من قرابته؛ فإن القرابة لها تأثير، كما في حديث الذي نذرت أخته أن تحج. وأما حديث: «حج عن نفسك ثم عن شبرمة» فهو وإن كان في بعض السنن، لكن لم يصرح فيه بأن الملبي عن شبرمة كان أجنبيًّا عنه، بل ورد في رواية: (وهو أخ له أو صديق) فمع الاحتمال لا يتم الاستدلال. وفي لفظ: من شبرمة؟ قال: أخ لي أو قريب لي. وقد أخرج هذه الرواية البيهقي، ثم ليس في الحديث أن شبرمة هذا كان قد مات إذ ذاك» اهـ. كلامه.
  أقول: لا شك أنك قد مررت بمواضع مجدبة في هذا المقال، وهو أشبه شيء بجدال بباطل، ومراء عن الدليل عاطل، ولله در الأوزاعي: (إذا أراد الله بقوم سوءًا رزقهم الجدل)؛ لأنه مَرْكَبُ سَوْء، وسبيلُ هلاك؛ إذ يزين لعابديه الباطل فينصره ويُنيخ بكلاكله على دليل السنة(١)، وقد زعم أولًا: أن المانع أن قلم التكلف قد رفع عن الميت! قل: نعم،
(١) لئلا يظهر تمت شيخنا.