صحة صيام من أصبح جنبا من الليل
صحة صيام من أصبح جنبًا من الليل
  أورد الإمام عدة أحاديث عن النبي ÷ أنه كان يُصْبِحُ جُنُبًا من جماع ثم يصوم. ثم قال #: دل ذلك على صحة الصوم مع الجنابة من الليل عن جماع. فإن قيل: روي عن أبي هريرة أنه قال: قال رسول الله ÷: «من أصبح جنبًا فلا صوم له». قلنا: هذا مُعَارَض بما ذكرناه أولا، وبما جانسه، وهي أكثر وأقوى وأشهر، وهذا وجه ترجيح، وبما روت أم سلمة، وعائشة أن النبي ÷ كان يصبح جنبًا من جماع من غير احتلام(١) ثم يصوم، وروي أن أبا هريرة لما روي له خبرهما هذا قال: أهما قالتاه؟ فقيل: نعم، فقال: هما أعلم. اهـ كلام الإمام.
  قال الشوكاني: «قوله: قلنا: هذا معارض بما ذكرناه أولا ... إلخ. أقول: قد عرفناك أنه ÷ إذا فعل فعلًا يخالف قولا من أقواله فإن كان القول عامًّا له ولغيره كحديث: «من أصبح جنبًا ...» كان فعله مخصِّصًا له من العموم، ويبقى من عداه داخلا تحت عموم القول؛ فلا معارضة كما زعم المصنف، ولا اعتبار بأكثرية ولا أشهرية، ولا أرجحية هذا يعرفه كل عارف لعلم الأصول ... إلخ» اهـ كلامه.
  أقول: أولاً: ما هو الحكم الذي يشير الشوكاني إلى أن الفعل منه ÷ لا يكون ناسخًا له إلا مقترنًا بالقول لا مجرد الفعل؟!، وما هو النصُّ المحرِّمُ على الصائم الإصباحَ جنبًا؟!. أما الحكم وهو حرمة إصباحه جُنبًا، وأنه يفسد صومه فغير مُسَلَّم وغير معمول به سلفًا وخلفًا، بل العمل على خلافه، وأنهم كانوا يصبحون جنبًا، ويصومون كما كان رسول الله يصبح جنبًا من غير احتلام ويصوم، كما روي ذلك عن عائشة وأم سلمة اللتين هما من أمهات المؤمنين.
  على أن جواز إصباح الصائم جنبًا قد أُخِذَ بمفهوم الإشارة من قوله تعالى: {حَتَّى
(١) قولها: (من جماع من غير احتلام) ذكرت الجماع، لئلا يتوهم أحد أنه كان من احتلام، فإن المحتلم معذور لكونه قد يدركه الصبح وهو نائم محتلم بخلاف المجامع.