الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

استحباب صوم يوم الغدير

صفحة 73 - الجزء 2

استحباب صوم يوم الغدير

  قال الشوكاني: «قوله: فصل: ويستحب صوم يوم غدير خم ... إلخ. أقول: اعلم أن الاستحباب حكم شرعي، لا يحل القول به إلا بدليل شرعي، وليس هاهنا شيء من ذلك، وكونه يومًا ثبت فيه لعلي كرم الله وجهه تلك الفضيلة لا يستلزم استحباب صومه ... إلخ» اهـ كلامه:

  أقول: شكر المنعم واجب عقلًا وشرعًا، يعرف وجوبه وحُسْنَهُ كل من تصح منه المعرفة، عليه طبعت العقول السليمة، والنفوس الكريمة، بل لو قلت لك: إن في الحيوانات من تحب من اصطنع لها عارفة، وتكافئ عليها لما أغربت، وشواهد الحال ناطقة بهذا، وتاريخ الناس من حاضر وباد معروف مشهور، مغروز في عقولهم وجوبُ رد الجميل، ومَنْ عنده عارفة لأحد يبقى مدينًا حتى يكافئ عليها، وكأنه محمَّل بشيء يريد أداءه، وعدم شكر النعمة يسمى كفرًا، ويدل على خبث النفس، ولُؤم الخِيم، وسوء المنبت الذي نزغ منه.

  ويحكى أن أعرابية وجدت جرو ذئب فألحقته بإحدى شائها يرضع منها، ولما ترعرع وقويت مخالبه بقر بطن مرضعته وعدا على الراعية، ولما عادت إلى أبيها حكت له ما جرى، فقال مخاطبا للذئب:

  بَقَرْتَ شُوَيْهَتي وفجعتَ بنتي ... وأنت لشاتنا أبدًا ربيبُ

  وكنتَ مغيَّبًا عن كل ذئب ... فمن أنباك أن أباك ذيبُ؟!

  فالطبع الخبيث متحكم في صاحبه يكافئ على الجميل بالخبيث، ويكون الإحسان إليه مدعاة إلى الإساءة. أما كريم الطبع فهو كما قيل: (الإنسان عبد الإحسان) وتثقله حَمْل المروءة كحمل الدين، ومن أحسن مَنْ صوَّر هذا أبو تمام | في قوله: