الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

عدم وجوب تبييت النية للصوم

صفحة 15 - الجزء 2

عدم وجوب تبييت النية للصوم

  قال الشوكاني: «قوله: فإذا ثبَت أن النبي ÷ أجاز صوم عاشوراء بنية من النهار مع كونه واجباً ثبت جواز ذلك في صوم رمضان ... إلخ، أقول: حديث «لا صوم لمن لم يجمع صوماً من الليل» يدل على اعتبار النية في كل صوم، ولا يخرج عن ذلك إلا ما خصه دليل، وقد خص الدليل ما وقع الجهل لكونه من رمضان حتى دخل جزء من النهار كما في حديث عاشوراء فإن النبي ÷ أمر أهل العوالي أن من كان صائماً فليتم صومه ومن كان قد أفطر فليمسك وأمر مَنْ ينادي بذلك، وكان النداء بعد دخول جزء من النهار وهو إذ ذاك واجب فثبت مثله في كل صوم واجب إذا لم يقع العلم به إلا بعد دخول جزء من النهار؛ لأن نسخ وجوب صوم اليوم لا يستلزم نسخ جميع الأحكام الثابتة فيه ولكنه لا يدل على عدم وجوب التبييت من الليل في صوم الفرض إذا لم يعرض الجهل، بل يجب التبييت بالحديث العام؛ لاندراجه تحته، وهو وإن كان فيه مقال فهو لا يقصر عن البلوغ إلى رتبة الاستدلال» اهـ كلامه.

  أقول: الفقيه - كما ترى - قد أحاطت به زوابع هَوَج، فأفرز آراءً هُوجاً، دلت على عدم ثقته للنقل، وعدم قدرته على الاستنباط، حتى كأنه من الأنباط، يورد الحديث كحجة له وهو عليه كما سترى وتعرف بقلمه أن النبي ÷ نوى صوم النافلة من النهار وقال: (فإني صائم)، ثم يخبط خبطاً آخر فيقول: «هو متطوع والمتطوع أمير نفسه» وكأن النزاع في الصوم مع أنه في النية، ويعترف أن النبي ÷ قال حين سأل أهله طعاماً فلم يجد: «فإني صائم» وهي نية صريحة مسموعة مروية محفوظة! ثم يدّعي شيئاً لا دليل عليه ولا أمارة، وإنما أشبه شيء بالتنجيم فيقول ما معناه: «لعلّه بيّت النية ليلاً» اهـ!

  وهذا قول لم يقله أحد ويستحي أن يقوله عالم، وكيف يبيّت⁣(⁣١) النية ليلاً ويصبح صائماً


(١) يبّيت: أي ينوي الصيام بالليل.