الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

واجبات المناسك التي يجبر تركها بالدم

صفحة 181 - الجزء 2

واجبات المناسك التي يُجبَّرُ تركُها بالدم

  قال الشوكاني: «قوله: باب: واجبات المناسك التي يجبر تركها بالدم ... إلخ. أقول: قد عرفناك غير مرة أن الظاهر في جميع ما فعله ÷ من الأفعال في الحج المقصودة لذاتها أنها متساوية الأقدام، ليس بعضها أولى بالوجوب من بعض، ولا أولى بكونه ركنًا يفوت الحج بفواته من غيره، بل الكل يصدق عليه أنه واجب، ومنسك من مناسك الحج» اهـ كلامه.

  أقول: لا يخفاك أنك لو نظرت بعين العقل فقط وجدت مساغًا لقول الفقيه؛ لأن العقل لا يَفْرِقُ بين فعل وفعل، لا يَفْرِقُ بين طواف القدوم وطواف الزيارة، ولا يفرق بين مبيت بَجْمعٍ ومبيت بمنى؛ فهي كلها في العقل متساوية الأقدام، متحدة الحكم، لكن إذا كان المنظار من خلال الشرع، ورأيت كل العلماء وقَّافين عند هدي رسول الله يفهمون ما يفعل، وأنه يُنَزِّل الأشياء في منازلها عن الله، وأنه لا مجال للاجتهاد لا لابن عباس في هذا المقام ولا لغيره، وأن اتباع آخر هذه الأمة أولَها هو المتعين؛ لأن المسافة بيننا وبين رسول الله - لولاهم - مقطوعة، ووسيلة الاطلاع مفقودة، ليس لنا طريق إلا ما وجدنا عليه أسلافنا، وحيث إنهم على جانب عظيم من التحري والتقوى، ومَنْ شَذَّ نقموا عليه شذوذه، وتركوه وقولَه، وكلٌّ غرضه إصابة السنة، ولا سبيل إليها إلا الاحتذاء، وهم حجة الله علينا، فهل يجوز مع نقلهم وعملهم وعمل العامة والخاصة أن نعود إلى الزامل الذي لا دليل عليه، وإنما هو على دعوى لا دليل عليها، وإنما يقال في المثل العربي: (يهرف بما لا يعرف). ويملأ أذنيك بكلمات التعالي: «قد بينا لك، قد عرفناك» اهـ، والزم ما قلنا لك على مخالف لإجماع الأمة، وهو يَهِيضُ⁣(⁣١) الإجماع ويسميه تقليد الآخِر للأول، وأنه مبني على شفا جرف هار! كأنهم عدمت فيهم التقوى، ومخافة الله، وتحري الحق، فأجمعوا على ضلالة ودعوا الناس إليها من دون نكير، وشَرَعُوا ما لم يأذن به الله، واستمروا أحقابًا وأزمانًا لم ينتبهوا ولم ينتهوا حتى جاء الزامل!.


(١) يُضْعِف.