لا مشاكلة في قوله تعالى: {ومن تأخر فلا إثم عليه}
لا مشاكلة في قوله تعالى: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}
  قال الإمام #: فإن قيل: ما معنى قوله تعالى: {وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ٢٠٣] والتأخير فضيلة. قلنا: قد حكي عن ابن مسعود أن معناه: أن سيئاته كُفِّرتْ عنه مَنْ تعجل ومن تأخر ... اهـ كلام الإمام.
  قال الشوكاني: «أرجح ما قيل في جواب هذا السؤال أنه ذكر نفي الإثم؛ للمشاكلة كما في قوله تعالى: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}[الشورى: ٤٠]، {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}[المائدة: ١١٦]، {ومكروا ومكر الله}، ونحو هذا كثير في الكتاب العزيز» اهـ كلامه.
  أقول: لا يخفاك أن المشاكلة لا تكون إلا عند عدم إمكان حَمْل الكلمتين على معنى واحد؛ ولأنها ضَرْب من المجاز، مثل {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ فلا يجوز حملها على المعنى الأول؛ إذ لا يطلق على الحق تعالى كلمة (نفس)، فحملوها على المشاكلة أي على إرادة تشاكُل الكلمتين غير مراد منهما اتحاد المعنى، وكذلك قوله سبحانه: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}[آل عمران: ٥٤] ففعله تعالى لا يوصف بأن مكر. وكذلك {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢] لا يوصف الله بالخادع ولا فعله بالخدع، ومنه قول الشاعر:
  قالوا اقترح شيئًا نُجِدْ لك طبخَه ... قلت اطبخوا لي جُبَّةً وقميصا
  فالمشاكلة في قوله: (اطبخوا لي جبة وقميصًا) لأنهما لا يطبخان. أما في هذا المقام وهو نفي الإثم عن حالتي العجل والرَّيْث فلا مشاكلة.
  والمعنى هو ما أشار إليه الإمام، وهو المتفق مع تفسير جار الله العلامة للآية؛ حيث قال في (الكشاف) ج ١ ص ٢٤٩ ما لفظه: فإن قلت: كيف قال: {فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ}[البقرة: ١٧٣]