الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(الإخبار بالمضارع لا يفيد الحصر)

صفحة 381 - الجزء 2

(الإخبار بالمضارع لا يفيد الحصر)

  ثم قال: «ولكن هاهنا إشكال وهو أن حديث (لا تحرم المصة ولا المصتان دل بمفهوم العدد على أن الثلاث والأربع يثبت بهما التحريم، وحديث (الخمس) دل بمفهومه على أنهما لا يحرمان، وأقول قد تقرر في علم المعاني والبيان أن الإخبار بالفعل المضارع يفيد الحصر! وصرح بذلك الزمحشري في (الكشاف) لاسيما إذا بني الفعل على المنكِر، فيكون قد انضم إلى مفهوم العدد بالخمس مفهوم الحصر، فلا يثبت التحريم بدونها، ويؤيد ذلك ما ورد في بعض ألفاظ حديث سهلة بنت سهيل أنه ÷ قال: «أرضعي سالماً خمس رضعات تحرمي عليه»، وهذا التركيب في فقرة (إن ترضعيه خمساً تحرمي عليه)، فانضم إلى مفهومي العدد والحصر مفهوم الشرط» اهـ كلامه.

  أقول: لما تعارضت عليه الأدلة أراد التخلص من هذا المضيق فقام بنبذ كل حديث غير حديث (خمس الرضعات)، فأهدر حديث (المصة والمصتان) و (المجة والمجتان) مع أنها في الصحاح موجودة، وأخذ بها بعض العلماء كمذهب لهم، ولم يطعن الفقيه في سند ولا متن كما يطعن أهل الشأن، بل لجأ إلى ما توهمه مما لا أصل له في علم المعاني، عسى أن يجد عندهم من يفك العاني، فادَّعى عليهم أن من قواعدهم أنه إذا أخبر بالفعل المضارع أنه يفيد الحصر وأن الزمخشري صرح بذلك، وليت الفقيه دلنا على موضع من علم المعاني أو مثالٍ أو على كتاب نص فيه الزمخشري بهذا، وأقول: لو سلَّمْنا جدلاً إفادة الحصر في (خمس رضعات يُحَرِّمن) فسيكون حصراً ادعائياً مثل {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِير}⁣[فاطر: ٢٣] مع أنه بشير ونذير وسراج منير، ونبي ورسول ... ، أو مثل «الحج عرفة» مع أن الحج مناسك كثيرة، أو مثل (لا ربا إلا في النسيئة) مع أن ربا الفضل محرم، وإذا كان هكذا فلا تنقض الأحاديث الأخرى، أما حصراً حقيقياً فلا يجوز أن نقول به مع قوله: «لا تحرم المصة والمصتان»، لأنه نقض لما أبرم وهو منزه عن التناقض، والفقيه قد ادعى أن الأحاديث كلها