الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الإشهاد في الوصية

صفحة 417 - الجزء 1

الإشهاد في الوصية

  قال الشوكاني: «قوله: وأمرنا بالإشهاد ... إلخ، أقول: وجوب الإشهاد على من يعلم أن وصيته لا يعمل بها إلا بذلك، مُسَلَّم؛ لأنه لا يتم القيام بوجوب الوصية إلا بذلك، وأما من كان يعلم أنه يعمل من بعده بوصيته إذا وجدها بخطه أو شافهه بها فلا وجه لوجوب الإشهاد؛ لأنه هاهنا ليس من تمام الواجب» اهـ كلامه.

  أقول: المعتبر في المعاملة وصية كانت أو ديناً هو حياطتها بما يحفظ لها قوتها ويصون المال المتعاقد عليه، ولهذا فإن الحق سبحانه قال: {إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ}⁣[البقرة: ٢٨٢] وعين في السفر الرهن، ولما كان الأمر إرشاداً لا إيجاباً رهن المصطفى ÷ في الحضر ولم يكتب، ومات ودرعه رهينة في شيء من شعير، ولو كان الأمر للإيجاب مقصوداً ذاتياً لما عدل عنه المصطفى أتقى الناسِ وأخوفُهم من ربهم، فالكتابة والرهن ليسا مقصودين في الوجوب لذاتهما، ولهذا عقب الرهن بقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ}⁣[البقرة: ٢٨٣]، وكذلك في الوصية وغيرها.

  فالإشهاد من الاعتبار بمكان، فربما كتب بخط مغمور غير مشهور، فالشهادة تقام لتقرير الحق والخط، ومن أين لنا أن كل موص يكتب فربما حال مرضه دون القدرة على الكتابة، وربما أنها من النساء اللاتي لا عهد لهن بالكتابة، فالمقصود - كما قلت لك - هو حياطة المال بما يصونه من عبث العابثين.