الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الحجامة لا تفسد الصيام

صفحة 35 - الجزء 2

الحجامة لا تفسد الصيام

  قال الشوكاني: «قوله: دل ذلك على ما نصه الهادي من أن الحجامة لا تفسد الصيام ... إلخ. أقول: قد اختلفت الأدلة في هذا، فروي عنه ÷ أنه احتجم وهو صائم، وروي أنه قال: «أفطر الحاجم والمحجوم»، وروي عنه أنه مر برجل يحتجم بالبقيع وهو صائم فلم ينكر عليه، وروي عنه أنه قال: «ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة، والقيء، والاحتلام»، وجميع هذه الأحاديث في كتب الحديث، وفي بعضها مقال، وقد تمسك بحديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، فقالا: إنهما يفطران، وخالفهما الجمهور» اهـ كلامه.

  أقول: لم نحصل على فائدة من كلام الفقيه، ولا رأي في المسألة يستند إلى ركن شديد، ثم إني قرأت للزرقاني في (شرح الموطأ) ج ٢ ص ١٧٦، كلامًا أورده لابن عبدالبر، وأنه قال: إن حديث «أفطر الحاجم والمحجوم⁣(⁣١)» تفرد به داود بن الزبرقان، وهو متروك، وإن صح حديث: «أفطر الحاجم والمحجوم» من غير سعد. وعندي أنه منسوخ؛ لحديث ابن عباس عند البخاري وغيره، أن النبي ÷ احتجم وهو مُحْرِمٌ، واحتجم وهو صائم؛ لأن في حديث شداد وغيره أنه ÷ مر عام الفتح على من يحتجم لثمان عشرة ليلة خلت من رمضان، فقال: «أفطر الحاجم والمحجوم». وابن عباس شهد معه حجة الوداع، وشهد حجامته حينئذ، وحديث ابن عباس لا مدفع فيه عند أهل الحديث؛ فهو ناسخ لا محالة؛ لأنه لم يدرك بعد ذلك رمضان مع النبي ÷؛ لوفاته - أي الرسول ÷ - في شهر ربيع الأول، ومن جهة النظر فإن الأحاديث متعارضة، فسقط الاحتجاج بها؛ والأصل أن الصائم على صومه لا ينتقض إلا بسنة لا معارض لها. اهـ.


(١) وفي حاشية السندي على ابن ماجة ج ٣ صـ ٤٤٨ روى الحديث في سنن ابن ماجة عن أبي هريرة، ثم قال ما لفظه: وفي «الزوائد»: إسناد حديث أبي هريرة منقطع، قال أبو حاتم: عبدالله بن بشر لم يثبت سماعه عن الأعمش اهـ المراد.