الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

حكم طواف الجنب والحائض

صفحة 183 - الجزء 2

حكم طواف الجُنُبِ والحائض

  قال الإمام: وإذا طاف المحرم طواف الزيارة وهو جنب أو طافت المحرمة وهي حائض وجب عليها الإعادة مع الطهارة وجوبًا، فإن خرجا وجاوزا الميقات فعليهما دم بلا خلاف؛ لأن طوافهما مع الطهارة عندنا نسك واجب، ومن ترك نسكًا فعليه دم، والدم الواجب هاهنا بدنة على كل واحد منهما؛ لأن الحيض والجنابة كل واحد منهما أغلظ حكمًا من الحدث .... إلخ. اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «إيجاب البدنة على من طاف وهو كذلك ليس فيه أثارة من علم فيما أعلم، فليت المصنف استمر هاهنا على ما أسلفه من الاستدلال بما يرويه عن النبي: «من ترك نسكًا فعليه دم»، واقتصر على إيجاب ما يصدق عليه مسمى الدم، لكنه ترفع هاهنا عن ذلك، فأوجب دمًا مخصوصًا هو أشد تكليفًا، وأوسع غرمًا، وهو البدنة لما تخيله من أن حكم الجنابة والحيض يعم جميع البدن، وكان مقتضى ذلك أن يكون حدثاً زائدًا على غيره من الأحداث، فيجب فيه دم زائد على الدماء، فيا لله العجب من هذه التحكمات .... وابن عباس إذا قال بذلك وصح عنه ما رواه المصنف فلا حجة في قوله على أحد من العباد، ورحم الله ابن عباس، فلقد ضيق السبيل بإيجاب الدماء على من ترك شيئا من نسك، والذي ينبغي القول به هو أن من طاف جنبًا أو حائضًا فقد عصى معصية تكفرها التوبة، وأما إيجاب شيء عليه فلا إلا بدليل، ولا دليل» اهـ كلامه.

  أقول: لا ريب أن علماء كل فن يحدث بينهم خلاف بين علماء العربية والأصول والحديث والفقه والتفسير، وهذا أمر شائع ذائع، وترى العالم يحكي قولَه أو قولَ إمامه وحجتَه وقولَ مخالفه وحجتَه، ولا ترى أحدًا من أئمة العلم يدعي أن نصاب الحق في كل مسألة في نصابه، ولا يسخر من قول مخالفه، وها هي كتب القوم بين أيدي الناس لا تجد من يَهِيضُ قول مخالفه ويسخر منه ومن حجته إلا الفريدَ بهذا المرض، والمصابَ بهذه البلوى، صاحبَ الزامل، يورد قول خصمه كأنه جمل أجرب غريب لم يشايعه في هذا