الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

حكم طواف الجنب والحائض

صفحة 184 - الجزء 2

  القول أحد، وأحيانًا يترحم عليه وهو ترحُّم مشبوه، كأنه يدعو إلى إقامة عزاء عليه؛ لتنكبه عن الصواب.!

  ثم لا يخفاك أن قول ابن عباس ¥ لو كان قولًا شاذًّا مخالفًا للسنة لما سكت عنه الصدر الأول وعندهم خلافه، ولوُجِدَ الخلاف، ولو وُجِدَ لرُوِيَ؛ لأن أقل درجاته نهيٌ عن منكر، ولو عورضت فتواه بفتوى مفتٍ آخر لرُويَتْ، وجرى الترجيح بينهما كما حدث في فتوى ابن عباس فيمن جامع أهله قبل طواف الإفاضة حيث أفتاه بأن عليه بدنة، عورضت بفتوى ابن عمر بأن عليه بدنة وحجًّا من قابل، فرُجِّحت فتوى ابن عباس؛ لاستنادها إلى قول النبي ÷: «الحج عرفة»، والوطء لم يقع إلا بعد الوقوف، واحتُمل لابن عمر بأن للحج بالنسبة إلى النساء تحللاً خاصًّا، وهو الطواف، وحين جامع قبله فعليه بدنة، وقد فسد حجه.

  ثم إن قول ابن عباس - الذي هو موقوف عليه - لا يعني وَقْفُه أنه محض اجتهاد منه؛ إذ لا سبيل إلى الاجتهاد في مناسك الحج التي لم يعلم الفرق بين فعل وفعل إلا توقيفًا، ولا حاجة لأن يترحم عليه الشوكاني، فهو على بصيرة من أمره، ولم يُؤثَر التناقض عنه، كما تناقض الفقيه في أقواله في تعليقه هنا وفي (الجرار)، ومعه رصيد من دعوة رسول الله ÷ التي لا شك في قبولها: «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل». ولا شك أن المرء قيمته ما يُحْسِنه، فموضوعية البحث ورصانته وتعقله وإنصافه، وسيطرة سلطان الحق عليه، واحترام رأي مخالفيه وحجته، لا سيما إن كان أعلى وأعلم، يدل على كرم الطبع، ورياضة نفسية قوية، وخلق سام، واتجاه محمود، وغرض نبيل. والعكس حينما تراه متجافيًا عن إنصاف، حاكيًا لأقوال مخالفيه وحجتهم بأسلوب غير أدبي، ويُواري ما فيها من جهة الاستدلال، أو يحاول إطفاء نورها، ويدعو إلى نبذها بسخرية ولَمز، وأنها ليست من الحق في شيء، وأن الحجة ومن يحتج بها من الغباوة أو من التقول على الله بما لا يقول بمكان! وفي كل حَطِّه مِنْ خصمه؛ فهو يَرْفَعُ بأسلوب خفي من مكانته وذوقه وإنصافه، ويزكي نفسه، ويحض على اتباعها والالتفاف حولها، فمثل هذا يدل على وباء في الباطن، واستكانة لسلطان الباطل، ولله در الأئمة الأطهار! ما أطهر ألسنتهم من القَذَى! تجري أقلامهم