الحج عن الميت والاستئجار له
  وهل رفع عنه سؤال التقديم والتأخير والإفراط والتفريط؟! ثم يأتي بعلة أخرى وهي: أن الحج عبادة بدنية لا يصح أن ينوب فيها أحد عن أحد، لكنه شَرِقَ بحديث: «حُجَّ عن نفسك، ثم عن شبرمة»، فانهارت قاعدته، وحاول أن يخرج الحديث عن عمومه، ويضرب الحجب دون رؤية نوره، فقال: «إنه لم يصح حجه عن شبرمة إلا لأن بينه وبينه قرابة، وحج القريب عن القريب له خصوصية، والدليل على القرابة بينهما أنه آثره على نفسه، فجعل الحج له». اهـ. وهو مردود، وسبيل إلى غرضه مسدود؛ لأن صاحب القصة - بإجماع العلماء - قال: أخ لي أو صديق لي، فقرره على حجه له، إلا أنه ندبه إلى البدء بنفسه، وقد قرره ولم يستفسره هل تحج بمال أو بغير مال؟ وهل هو حي أو ميت؟ فدل عدم الاستفصال على الصحة والعموم.
  ومن أين للفقيه أن الأخ مطلقًا أعز من الصديق؟! وقد قيل: إن الصديق لفظ لا وجود له في الخارج. وقد صوره المتنبي بقوله:
  ما الخِلُّ إلا من أَوَدُّ بقلبه ... وأَرَى بطَرْفٍ لا يَرَى بسِوَائِهِ(١)
  وقريب منه قوله:
  كلانا ناظرٌ قمرًا ولكن ... رأيتُ بعينها ورأتْ بعيني
  وحين صوَّر الحق سبحانه تفاقُم الشدة في يوم العرض قال: {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين}[الزُّخرُف: ٦٧]، أما أخوّة النسب فسرعان ما تذوب حتى أمام أطماع الدنيا ودواع حزبية وَبِيَّة.
  قال بعضهم(٢):
  من الناس من يغشى الأباعِدَ نَفْعُهُ ... ويشقى به حتى الممات أقاربه
  فإن يك خير فالبعيد يناله ... وإن يك شر فابن عمك صاحبه
(١) أي بسواه.
(٢) هو الحارث بن كلدة الثقفي.