الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

حرمة مس المصحف على الجنب

صفحة 113 - الجزء 1

  خلقوا على هذه الصفة، ونساء الجنة على هذه الصفة، لا أنها صفة عارضة.

  وتقول العرب لمن يحفر لها بئراً: (ضيِّقْ فَمَ البئر⁣(⁣١)) وليس المراد: أوجده واسعاً ثم ضيّقهُ، وإنما: أوجِدْهُ هكذا.

  وتقول أنت للخيّاط: (ضيِّقِ الكُمَّ) أي أوجده ضيقاً، وليس المراد: أوجده واسعاً ثم ضيّقه.

  وقريب من هذا قوله تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً}⁣[الإسراء: ١٢].

  ليس المراد أن آية الليل وجدت مبصرة فمحوناها، وأن آية النهار وجدت ممحوة فجعلناها مبصرة وإنما المراد: خلقناهما هكذا.

  فافهم ولا تغتر بالزامل، وعلى الجملة فهذه من فوائد القاضي السرحي

  | حال درس (الكشاف).

  ثم قال: «إلى أرض العدو فإنه لا علّة لذلك إلا مخافة أن يقع في أيدي أهل الشرك». اهـ كلامه.

  أقول: العلة للحكم لا بد أن يُصرَّح بها حتى تكون مناطاً للحكم أو بأحد حروف العلة المعروفة، وهنا لا علة ولا أحدَ حروفها.

  ولا يصح أن يمشع واحد علة لحكم شرعي من كيسه، لأنه كذبٌ على رسول الله، لأنه سيؤدي إلى القياس بواسطتها فيتحمل مختلِقُ العلة إثمها.

  ثم إن العلة لابد أن تطَّرد وتنعكس، فإذا كانت العلة - كما زعم الشوكاني - (مخافة أن يقع⁣(⁣٢) في أيدي العدو) فإذا عدمت المخافة فلا محذور، مع أن الحديث لا يسمح بهذا.

  وأخيراً: إليك ما في (البحر) ولفظه: ويحرم عليه - أي الجنب - مس المصحف


(١) العرب تقول: (ضَيّق فم الركية) وليس المراد وسّعها ثم ضيّقها وإنما المراد: أوجدها ضيّقة. تمت شيخنا.

(٢) المصحف