الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(نجاسة الخمر)

صفحة 141 - الجزء 1

  الحرام، الذي فهم ما فَهِمتْه الصحابة من أن غرض الله سبحانه هو الزجر التام عن هذه المصيبة الكبرى، والمعصية العظمى؛ لأنه يناقش في الضمير وفي معنى الرجس، وأنه المستقذر ... إلى نحو ذلك من الهوس الذي يعود بالنقض على نصوص التهديد والزجر.

  قال في «الكشاف» ج ١ (سورة المائدة آية ٩٠، ٩١) - بعد أن سرد الآيتين المباركتين - ما نصه: أكد تحريم الخمر والميسر وجوه من التأكيد منها: تصدير الجملة بإنما، ومنها: أنه قرنهما بعبادة الأصنام، ومنه قوله عليه وآله الصلاة والسلام: «شارب الخمر كعابد وثن» ومنها: أنه جعلهما رجساً كما قال تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ}⁣[الحج: ٣٠].

  ومنها: أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشر البحت.

  ومنها: أنه أمر بالاجتناب، ومنها: أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خَيْبة ومَحقَة.

  ومنها: أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال وهو وقوع التعادي والتباغض من أصحاب الخمر والقَمر، وما يؤدّيان إليه من الصد عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلاة.

  وقوله: {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُون}⁣[المائدة: ٩١] من أبلغ ما يُنهى عنه كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيهما من أنواع الصوارف والموانع، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون أم أنتم على ما كنتم عليه كأن لم توعظوا ولم تزجروا؟

  فإن قلتَ: إلام يرجع الضمير في قوله: {فَاجْتَنِبُوهُ

  قلتُ: إلى المضاف المحذوف كأنه قيل: إنما شأن الخمر والميسر أو تعاطيهما أو ما أشبه ذلك، ولذلك قال: {رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ}.

  فإن قلت: لِمَ جمع الخمر والميسر مع الأنصاب والأزلام أولاً ثم أفردهما⁣(⁣١) آخراً؟

  قلت: لأن الخطاب مع المؤمنين، وإنما نهاهم عما كانوا يتعاطونه من شرب الخمر واللعب بالميسر، وذكر الأنصاب والأزلام لتأكيد تحريم الخمر والميسر، وإظهار أن ذلك


(١) أي الخمر والميسر.