(مصدر هذا العلم)
  الله في كتابه، وبه تعرف ما يجوز على الحق سبحانه وما لا يجوز؛ لكونها صفة من صفات المحدَث لا يجوز إلحاقها بالحق لأنها صفة من صفات المحدث، وما يليق به من العدل والقيام بالقسط، وعدم الخلف في وعد أو وعيد، والله سبحانه خلق الخلق لعبادته غير مجبورين على طاعة ولا عصيان؛ ليصح ترتب الجزاء على العمل وما يليق به من صفات الجلال والإكرام، وأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير}[الشورى: ١١] غير محتاج؛ إذ لا تجوز عليه الحاجة، وأنه غني عن الأشياء لا بها، وأنه يُستغنى به عن كل شيء وكل شيء لا يغني عنه {لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}[الأنعام: ١٠٣].
  لهذا كان هذا العلم أشرفَ العلوم وأعظمها أجراً وأكرمها ذخراً؛ لأنه قاعدة التوحيد وأساس الإخلاص، وسببه صدق التوجه إلى الله ومركب البلوغ إلى مراضيه، لأنكَ بهذا تعبد الله حق عبادته وتعبده على علم، فقد أفردتَه بصفات الكمال، ونزّهتَه عن صفات النقصان.
  فصدقتَ حينما قلتَ: {إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام: ١٦٢] وأحسست بالاتصال الروحي حينما قلت: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِين}[الفاتحة: ٥].
  وسألته ما لا يُنال إلا منه {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيم}[الفاتحة: ٦].
(مصدر هذا العلم)
  مصدر عقلي ومصدر نظري، فالعقلي هو التفكر في صنع الصانع وإبداع المبدع من العدم، وجعل كل جنس منها على الشكل الذي يجمل بها وكونها مُسخّرة لما خلقتْ له، دائبة الحركة وفق إرادة الله العزيز القدير، وحفظ ما لم يأذن بتغيره على ملايين السنين، من سماء مرفوعة ونجوم مسخرة وأرض مدحوّة وجبال رواسٍ، وأشجار وأناس، ودواب، على تخالف بين ألوانها وأحجامها ومنافعها.