الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

مجيء (إلا) بمعنى الواو

صفحة 212 - الجزء 1

  ويجوز أن يكون معناه: «ولا بمكة» كقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَئًا}⁣[النساء: ٩٢] معناه: وَلَا خَطَأً. ا هـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «قوله: ويجوز أن يكون معناه ولا بمكة» أقول: هذا الجواز من أين؟ هل من اللغة أو الشرع - وكلاهما ممنوع» ا هـ كلامه.

  أقول: الشوكاني ينكر مجيء «إلا» بمعنى الواو شرعاً ولغة! هكذا يقول الشوكاني: «وكلاهما ممنوع» اهـ! وكأنه إمام من أئمة اللغة! مع أنه يتهم الأئمة بعدم الرجوع في اللغة إلى أئمة اللغة!

  ولا يخفاك أن ما منعه الشوكاني لغة غير ممنوع فقد حكى الأخفش والفراء والحاكم الجشمي: أن «إلا» بمعنى «ولا»، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ.

  الأخفش: ففي الجزء الأول من «معاني القرآن» للأخفش - أعني الأخفش الأوسط - تلميذ سيبويه سعيد بن مسعدة البلخي، وهو أول من أملى كتاب سيبويه | على يحيى اليزيدي والمبرد، وهو في هذا الفن إمام لا يُنازع، ومقدم لا يُدافع.

  في ج ١ ص ٣٤٣ في بحث قوله تعالى: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا}⁣[البقرة: ١٥٠] قال: فهذا معنى لكنَّ⁣(⁣١).

  وزعم يونس أنه سمع أعرابياً فصيحاً يقول: «ما أشتكي شيئاً إلا خيراً» وذلك أنه قيل له: كيف تجدُك؟ وتكون «إلا» بمنزلة الواو نحو قول الشاعر:

  وأرى لها داراً بأغدرةِ السيـ ... ـدانِ لم يدرس لها رسمُ

  إلا رماداً هامداً دفعت ... عنه الرياحَ خوالدٌ سُحْمُ


(١) وزعم يونس - نعم هو يقصد يونس بن حبيب أحد مشائخ سيبويه - ولا يغرنك قوله: «وزعم» فمن اطلع على «كتاب سيبويه» | فهو يقول: وزعم الخليل؛ لأنها استعملت عندهم بمعنى العلم وهو مرادهم هنا، وقريب من هذا قول أبي طالب |:

وَدَعوتَني وزعمتُ أنَّكَ نَاصِحي ... ولَقَدْ صَدقْتَ وكُنْتَ ثَمَّ أَمِينَا

أي: علمتُ. تمت شيخنا.