الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(صحة حديث انزواء المسجد من النخامة)

صفحة 232 - الجزء 1

  نفسه، كأنه أحد الواضعين لهذا الفن، من حقه أن يقول في حديث خصمه ما شاء.

  ولله الحمد الذي يُبدي ما ندّعيه فيه من بغضه آل محمد بقلمه وعباراته.

  نعم قال أولاً: «إن الحديث غير معقول المعنى» اهـ.

  ونحن لا نسلم، أولاً: أن هذا جرح غير مقبول، لمخالفته لاصطلاح أهل الشأن، ولأنه لا يظهر من خلال هذه العبارة: ما هي علة الإباء من قبوله؟!

  على أن هذه العبارة: [معقولة المعنى أو غير معقولة المعنى] اصطلاح الأصوليين في العلة لا في الحديث؛ لأجل القياس، فيقولون مثلاً: (علة تحريم الخمر وهي الإسكار معقولة المعنى فيُلْحَقُ بها تحريم كل مسكر)، و (علة الحدود وأعداد الركعات غير معقولة المعنى فلا مجال للقياس عليها).

  ثم كيف يدري الشوكاني بالحديث وهو مروي في كتب خصومه: في «البحر» للإمام المهدي و «تخريجه» لابن بهران، وفي «الانتصار» للإمام يحيى بن حمزة.

  وفي «الشفاء» الذي بين يديه، الذي ما حَمَله على التعليق عليه إلا ليهدم كل قول لهم، ولو معهم الإجماع.

  وهو أيضاً مروي في مصنف ابن أبي شيبة، وكنز العمال، ومصنف عبد الرزاق.

  وهو أيضاً مروي في غريب الحديث، انظر «لسان العرب» مادة زَوَى، ولفظه: (وانزوت الجلدة في النار: تقبَّضت واجتمعتْ، وفي الحديث: «إن المسجد لينزوي من النخامة كما تنزوي الجلدة من النار»، أي ينضم ويَتَقبّض، وقيل: أرادَ أهلَ المسجد وهم الملائكة). اهـ المراد.

  فتحاملُه على الحديث تحاملٌ على رسول الله ÷، وأنه يقول قولاً غير معقول المعنى، كما قال قوم شعيب في نبيهم شعيب: {مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ}⁣[هود: ٩١] وهو خطيب الأنبياء!