الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

التسليمتان

صفحة 275 - الجزء 1

التسليمتان

  قال الشوكاني: «قوله: وتاسعها التسليمتان ... إلخ، أقول: ورود التسليمة الواحدة فقط لا يعارض الثابت مما فيه زيادة عليها، وهي أحاديث التسليمتين، لما عرّفناك غير مرة أن الزيادة التي لم تكن منافية يجب قبولها، فالقول بتسليمتين إعمال لجميع ما ورد بخلاف القول بتسليمة فإنه إهدار لأكثر الأدلة بدون مقتض، وأما كون التسليم واجباً أو غير واجب فقد عرفناك أن المرجع حديث المسيء وأنه لا وجوب لغير مالم يذكر فيه» اهـ كلامه.

  أقول: اعلم أن الشوكاني قد التبس عليه الزيادة التي لا تنافي بينها وبين المزيد عليه وبين ما فيها وبين المزيد تنافٍ، فالزيادة التي لا تنافي فيها مثل زيادة (ربنا لك الحمد) على (سمع الله لمن حمده)؛ لأنه يمكن إعمال أدلة الجمع بينهما، ويمكن إفراد (سمع الله لمن حمده) إذ لا تأتي إحداهما على إهدار أدلة الأخرى، وكما في التشهد (بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله).

  أما في هذه المسألة فالذين يقولون بوجوب التسليمتين - وهو الحق - رجحوا أدلتها على أدلة التسليمة الواحدة، والتسليمة الواحدة عندهم خلاف السنة، وقد رجحت أحاديث التسليمتين؛ لكثرتها وصحتها، فمنها حديث ابن مسعود (أن النبي ÷ كان يسلم عن يمينه حتى يُرى بياضُ خده الأيمن، وعن يساره حتى يُرى بياضُ خده الأيسر) قال في «نصب الراية» ما لفظه:

  قلتُ: أخرجه أصحاب السنن الأربعة واللفظ للنسائي عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود وأبي الأحوص قال ثلاثتهم: حدثنا ابن مسعود أن رسول الله ÷ كان يسلم عن يمينه (السلام عليكم ورحمة الله) حتى يرى بياض خده الأيمن، وعن يساره (السلام عليكم ورحمته الله) حتى يرى بياض خده الأيسر، اهـ. قال الترمذي: «حديث حسن صحيح». اهـ.