الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

وجوب قضاء الصلاة المتروكة ولو عمدا

صفحة 362 - الجزء 1

  أو يبطل بعضه كالتخصيص، وحيث لم يطرأ عليه ما ينسخه فهو باق؛ ولهذا ذهب بعض محققي الأصول من الأحناف إلى أن الأداء تحصيل عين الثابت بالأمر، والقضاء تحصيل مثل الثابت، وكلاهما بالأمر الأول.

  وقالوا: ما أوجب الأداء أوجب القضاء؛ لأن الوقت لا يصلح مسقطاً للوجوب، وما فاته إلا شرف الوقت، وفيه إثم إن كان عامداً، وقوله ÷: «فوقتها حين يذكرها» ليس تجديداً للطلب، وإنما للإعلام ببقاء الوجوب وسقوط شرف الوقت، وحديث الخثعمية يشير إلى هذا فقد شبه رسول الله ÷ حق الله الفائت بالدَّيْن، والدَّيْن لغة: «ما له أجل معلوم»، فخروج الوقت في الدَّيْن لا يسقط الطلب، ولم يشبِّهه بالقرض؛ لأن القرض لا أجل له، قال في «القاموس» في مادة دان: الدين ما له أجل كالدِّينة بالكسر، وما لا أجل له فقرض. اهـ المراد.

  ففي تشبيه النبي ÷ للفائتة بالدَّيْن إشارة إلى عدم سقوط الطلب بخروج الوقت، ولسنا بحاجة إلى القياس كما أشار إليه الشوكاني.

  وكذا لا حجة لهم في قوله ÷: «فدين الله أحق أن يقضى» في احتياج القضاء إلى طلب جديد؛ لأن القضاء في لسان اللغة والشرع هو الأداء، قال تعالى: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ}⁣[النساء: ١٠٣] أي: أديتموها، و «اقضوا ما فاتكم» أي: أدّوا، «فدين الله أحق أني قضي» أي: يؤدّى، ولو فرّط رجل في فريضة الحج وتريث عنها حال قدرته على الركوب على الراحلة حتى أصابه الكبر وعجز، أليس لزاماً عليه أن يوصي؟! بلى.

  والوجوب هذا هو بالطلب الأول؛ إذ لو فرض الحج وهو غير قادر لما وجب عليه الإيصاء؛ لأن القدرة على تسليم الواجب شرط في الوجوب.

  وحَمْل بعض الفقهاء - ومنهم الشوكاني - كلمة «فدين الله أحق أن يقضى» على الحقيقة الاصطلاحية للفقهاء أو الأصوليين غلطٌ؛ لأنه في لسان اللغة والشرع الأداء والتسليم. فافهم.