الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

(اشتراط حضور أربعة للجمعة)

صفحة 378 - الجزء 1

  تعني مجرد الأداء على أتم وجه.

  ولهذا لم يقل الحق: (آتوا الصلاة) كما قال: {آتُوا الزَّكَاةَ}، فكل مصل مخاطب بإقامة صلاته سواء أكان منفرداً أم في جماعة، وإقامتها تعني تعديل أركانها من قيام وركوع وقعود وسجود، أما {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} فالخطاب لكل مسلم عليه المبادرة حين سماع النداء وجوباً، وقبله ندباً، وكلام الإمام ليس ببعيد؛ لأن أقل ما يتناوله الخطاب لجمع المذكر ثلاثة؛ لأنه مطلوب من الجميع ما يقوم به، فأقل ما يصدق عليه ثلاثة خارجاً عن المنادي، فهل يعقل أن نقول: «إن الخطاب لواحد يسعى لسماع الخطبة»! أيّ قلم جرى بهذا؟! وأي فكر أنتج هذا؟! لا قوة إلا بالله!

  وإليك ما قاله العلامة في «كشافه» ج ١ ص ٣٩ ولفظه: ومعنى إقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظُها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها مِنْ أقام العودَ إذا قَوَّمه. اهـ المراد. وفي «مفردات القرآن» للراغب الأصفهاني: مادة قوم، وإقامة الشيء توفية حقه، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ}⁣[المائدة: ٦٨] أي توفّوا حقوقها بالعلم والعمل، وكذلك قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ}⁣[المائدة: ٦٦]، ولم يأمر تعالى بالصلاة، ولا مدح به حيثما مدح إلا بلفظ الإقامة؛ تنبيهاً على أن المقصود منها توفية شرائطها لا الإتيان بها نحو {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} في غير موضع، {وَالْمُقِيمِي الصَّلاَةِ}⁣[الحج: ٣٥] وقوله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ}⁣[النساء: ١٤٢] فإن هذا من القيام لا من الإقامة، وأما قوله: {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ}⁣[إبراهيم: ٤٠] أي وفّقني لتوفية شرائطها. اهـ المراد.

  وهذا هو فهم أرباب التحقيق من العلماء، فهل ظهر لك الفرق بين {أَقِيمُوا الصَّلاةَ} و {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}؟ ومن الغريب أن يجيء بهذه الجهالات، ويجيء بهذا الخرص، ثم يرمي علماء آل بيت رسول الله - عليهم وعلى أبيهم السلام - وجماهير علماء الأمة حين لم يقعوا فيما وقع فيه! ثم إنه تتلى عليه آية محكمة من كتاب الله {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ}