الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

من شروط وجوب الجمعة المسجد والمصر الجامع

صفحة 381 - الجزء 1

  بياناً وظاهره القربة، فأقل درجاته الندب؛ لأنه ~ وعلى آله منزَّه عن العبث، وإن كان ظاهره القربة، فإن أمر به وداوم عليه فمسنون، وإلا فمندوب، وقلنا: «بياناً لواجب» ليعمَّ ما وجب بالوحي: ما وجب بالقرآن كالخَمْسِ، أو بالسنة كالعيدين، فاتباعه في ذلك البيان واجب، وسبق أن قلنا: «إن الأحوال المحيطة بالفعل قيود»، وهكذا فهمها العلماء، ومن تلك القيود: «تعيين المكان» لاسيما مع الملازمة عليه وعدم الإخلال به، ومن هذه: صلاة العيد بيّن ÷ بفعله المستمر وبفعل الخلفاء من بعده أن مكانها - صلاة العيد - الجبّانة لا المسجد.

  وصلاة الاستسقاء في الجبانة، وصلاة النافلة في البيت، والفريضة في المسجد، ثم أقامها المسلمون كافة من بعه حيث أقام الجمعة وسائر الفرائض في المسجد، والعيد في الجبانة، والنافلة في البيت، وبيّن لنا بفعله أن للجمعة خطبتين قبلها، وأن للعيدين خطبتين بعدها، وبيّن التكبير وأنها ركعتان، وكان يخالف بين طريق الذهاب والإياب، واستن الناس جميعهم بسنته إلا ما كان من تقديم خطبة العيدين لبني أمية فقط، واتفق العلماء أن هذه سُنّته ورغّبوا فيها ودعوا إليها ونقموا ممن خالفها ورغب عنها، وسواء دعمت بقول منه ÷ أو استقل بها فعله فقط فهي سنة لا يرغب عنها إلا من ليس منه، والفعل المستمر قسم من أقسام السنة بلا خلاف.

  فكيف بمن رغّب عنها وصَدّ الناس عن اتّباعها، وقذف قلمه بقاذورات لا يجوز أن تكتب ولا تُملى؛ لأنه تشكيك في معلوم، وصَد عن سبيل محمود واتباع غير سبيل المؤمنين، وإيثار لهوى مُرْدٍ، على هدى منجٍ، هدى مَن لا ينطق عن هوى، ولا يتكلفُ فعلاً من نفسه؛ لأنه لا يخلو: إمّا أن يوافق الشوكاني أن فعل المصطفى بهدى الله وإرادته، وأنه غير متكلف من تلقاء نفسه فقد دَحَضَتْ حجتُه وصحت أقوال العلماء.

  وإما أن يقول: «إن فعله ÷ هذا من تلقاء نفسه» فقد كذّب الله في حكايته عنه بقوله سبحانه: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِين}⁣[ص: ٨٦]، وزلت إلى الحضيض قدمه، وسيعظم يوم غدٍ ندمه، ويا ليت شعري أيّ ذنب كسب، حتى أدخل الله رأسه في المَسَب، فلم ير ولم يسمع ما سمعه العلماء العاملون.