استحباب الغسل لصلاة العيد
  وقد رواه صاحب «السنن الكبرى» عن أم المؤمنين عائشة أنهم كانوا في صدر الإسلام قليلي ذات اليد، وأهل مهن وفلاحة، فإذا اجتمعوا يَروح بعضهم من بعض ريحاً قذرة، فمن ثمَّ وجب الغسل، ثم خُفّف إلى الندب، وهذا المقتضي نفسه موجود في العيد، وربما كان الجَمْع(١) أكثر، ومظهر العيد يجب أن يكون أهم، ويكون المسلم به أعنى؛ لأنه زائر في الحول مرتين، والجمعة كل أسبوع، فيجب أن يتلقى بما تتلقى به الجمعة من الغسل والطيب ولبس أحسن الثياب، والدين الإسلامي - من حيث عموماته وتوجيهاته - يحض على النظافة والمنظر الحسن والسواك والطيب، وفيه حديث «حبب إليَّ من دنياكم النساء والطيب» وهو المشهور عن الإسلام حتى عرف بدين النظافة والطهارة.
  وإذا كان الناس في مجتمعنا يلتزمون الطهارة والنظافة وطيب الرائحة في مجتمعات عادية ويلتزمها اليهود والنصارى في معابدهم ومدارسهم، فلماذا لا ندعوا إليها في قُرْبة كريمة، ومقام من أزكى المقامات، ومن قبلُ كانوا يقولون: «نظّفوا أفنية(٢) دياركم لا تَدَعوها كأفنية بيوت اليهود».
  فهل نصبح مضرباً لمثل الاتساخ فيقولوا: «تنظفوا في مجتمعاتكم لا تكونوا كالمسلمين»، ما هذه النغمة الحاقدة على السنة والمثبّطة عنها والمشوهة بالإسلام؟!
  وقد أوردتُ لك حديثاً سليماً من القادح: «أن رسول الله ÷ كان يغتسل» وآثاراً عن زمرة طيبة من الأعلام، على رأسهم أخو رسول الله ونفسه بنص الكتاب المبين.
  ثم أقول: ألا ترى أن مَن أوتي الحكمة وفصل الخطاب قد جعل العيد وصفاً مشتركاً بين الجمعة والعيد فقال: «اجتمع عيدان في يوم»؟!
  لأن في كلا اليومين عَوْداً، ففي الجمعة اجتماع كل أسبوع ومن ثَمَّ سميت جمعة، وكان اسمها يوم العَرُوبة، والعيد اجتماع في الحول مرتين، وهو مأخوذ من العَوْد، وكان من حقه أن يجمع على «أعواد»؛ لأن الواو في فعله أصلية، وإنما جمعوه على «أعياد» بقصد الفرق بينه
(١) الجمع للناس.
(٢) أفنية جمع فِناء وهو ما يحيط بالمنزل.