الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

بحث في نكره وأنكره

صفحة 420 - الجزء 1

بحث في نكِره وأنكره

  قال الإمام: وما روي في بعض الأخبار عن أم عطية أنها قالت: (مشطناها ثلاثة قرون) فالمراد به ضم بعضها إلى بعض في الضفر، فإن المشط لا ينبغي أن يفعل في الميت؛ لما روي عن عائشة أنها قالت لنسوة مشطن شعر امرأة: (ما لكن تصنعن موتاكن)؟! وهذا يقتضي أنها قالته توقيفاً؛ لأنها أنكرت عليهن. اهـ كلام الإمام.

  قال الشوكاني: «قوله: يقتضي أنها قالته توقيفاً؛ لأنها أنكرت عليهن، أقول: ليس مجرد الإنكار من الصحابي مستلزماً لكونه توقيفاً، ولا قد سبق المصنف غيره إلى مثل هذه المقالة، فإن الإنسان قد يُنكِر الشيء الذي لا يعرف وجهه فيسأل عنه فيوضح له المسؤول الوجه فيقنع، وقد ينكر الشيء لكون عنده من الأدلة ما يخالفه فيبين له الفاعل وجه فعله فيعذره» اهـ كلامه.

  أقول: لا يخفاك أن «أنكر» تأتي متعدية بنفسها ولازمة، وبينهما في المعنى شوط بطين، فـ «أنكره» المتعدية بمعنى جَهله بنفسها أو جهل سببه، ومنه قوله تعالى: {نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً}⁣[هود: ٧٠] فمعنى {نَكِرَهُمْ} لم يرهم من أهل جهته وليس عليهم سيماء السفر {أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً} حيث لم يأكلوا من النُّزُل الذي أحضره، ومن عاداتهم إذا أراد بصاحبه شيئاً لا يأكل من طعامه؛ لأن حرمة الطعام تحرم البغي عليه، فلمّا علموا ذلك منه أخبروه أنهم من الملائكة، ويقال فيها: «أنكره ونَكِرَه» انظر «الكشاف» سورة هود آية إبراهيم {وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى}⁣[هود: ٦٩].

  وأما «أنكر عليه» وهي اللازمة التي لا تتعدى إلا بالحرف، والتي أرادها الإمام فيقال: «أنكر عليه» أي عدّ ما فعله خلاف الشرع، وطلب منه أن يقصر عنه، وهو مراد عائشة، ولهذا قال الحافظ ابن حجر في «تلخيص الحبير» بعد إيراد الأثر: (فكأنها أنكرت المبالغة لا أصل المُشْط أي أنكرت عليهن) اهـ المراد.

  وكثيراً ما يقع الشوكاني في مثل هذا المكان السحيق فينتقد بجهل، وصحيح أن الإنسان قد لا ينال من خصمه ما ينال الجاهل من نفسه.