الجني الداني في مناقشة الشوكاني،

أحمد بن لطف الديلمي (معاصر)

الإسلام شرط في وجوب الزكاة

صفحة 460 - الجزء 1

  ويقول ابن الحاجب: «امتنع الأول لامتناع الثاني»، وقرر الرضي قول ابن الحاجب: وشرط أصولي: وهو ما يتوقف صحته أو وجوبه على وجوده، ثم إذا ذهبنا مذهب الشوكاني ومن معه من أن الإسلام شرط صحة كالوضوء للصلاة وأنه يلزم من عدمه العدم، يستقيم هذا في الصلاة؛ لأنه يلزم من عدم الوضوء عدم الصلاة، ولكن هل يلزم من عدم إيمان الكافر عدم الصلاة؟ لا، لماذا؟؛ لأن عدم صلاة الكافر عَدَم أصلي لا حكم شرعي لم ينشأ عن عدم شرطٍ أو فقدانه والعدم الأصلي ليس بحكم؛ لأنه لا تأثير لكفره في عدم صلاته، فهو غير أصلي، وغير ناشئ عن شيء.

  ثم اعلم أن الصلاة والزكاة ونحوهما من أركان الإسلام شرط في صحة الإسلام إجماعاً، فكيف يصير المشروط شرطاً لما كنّ فيه شرطاً، وكثير من العلماء يقولون بعدم توجه الخطاب إليه لاسيما {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}⁣[المائدة: ٦]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ}⁣[البقرة: ١٨٣]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ}⁣[الجمعة: ٩]، ولهذا ذهب الحنفية من علماء سمرقند وبخارى إلى أن الواجب على الكافر اعتقاد وجوبهن لا فعلهن، وعليه - أي على الاعتقاد - عوقبوا، لا على عدم الفعل. اهـ.

  ولا يخفاك أن المسألة الخلاف فيها قديم، وبعضهم تزل قدمه منها إلى تكليف ما لا يطاق، بحجة أن رفع الكفر يتوقف على وجود المقتضي وعدم المانع، وقد وقع فيها من علمائنا الجلال، وكثرت فيها المناظرة حتى ولجت إلى نفق مظلم.

  والذي ترجح لي - والله أعلم - أن الإيمان لا يصح أن يكون شرطاً للصلاة والزكاة ونحوهما ولا يكونان شرطين له⁣(⁣١).

  ولو تأمّل هذا حُذّاق المتقدمين لما تاهتْ بهم السبل؛ لأن الإيمان يجمع النطق بلا إله إلا الله والصلاةَ والزكاةَ وحج البيت، فالإيمان وما ذكرنا معه وَحْدةٌ متكاملة، وأجزاء لا ينفك بعضها عن بعض، كل واحدة منهن ركن، لا أن واحدة منهن شرط والأخرى مشروط، ولو تأمل متأمل إلى قوله ÷: «بُني الإسلام على خمس ...» لوجد أن المصطفى


(١) للإيمان. تمت شيخنا.